كتاب

التعليم في خطة التحديث الاقتصادي (1/3)

من المؤكد أن التعليم محور أساسي في خطط تطوير وتحفيز أي مجال من مجالات التنمية، وقد تضمنت خطة التحديث الاقتصادي التي أعلن عنها مؤخراً تحت رعاية جلالة الملك ثمانية محركات نمو لتنفيذ رؤية وطنية للتحديث الاقتصادي، شملت جميع جوانب التنمية الاقتصادية، وكان التعليم ضمن محرك الريادة والإبداع، وحازت قطاعات التعليم معظم محاور هذا المحرك وهي: تنمية الطفولة المبكرة، التعليم الأساسي والثانوي، التعليم العالي، التعليم والتدريب المهني والتقني، والبحث والتطوير والابتكار.

انطلقت الرؤية في قطاع التعليم من البناء على السمعة الطيبة للتعليم في الأردن على الصعيد الإقليمي، وارتفاع نسب الملتحقين في كافة المراحل، وتحقيق التكافؤ بين الجنسين، فيما تأمل خطة التحديث الاقتصادي تطوير قطاع التعليم ومعالجة السلبيات الكامنة في ضعف مهارات الخريجين المطلوبة في سوق العمل، وتفاوت مستوى الأداء بين مؤسسات التعليم في المملكة، إلى جانب عدم الالتزام بحوكمة القطاع، وضعف مداخيل المؤسسات، وتدني تأهيل المدرسين وطغيان التدريس التقليدي.

فيما يخص مرحلة الطفولة المبكرة رصدت الخطة هدفاً استراتيجياً يتمثل في رفع نسية الالتحاق بهذه المرحلة من نسبة 41% في عام 2021 إلى 100% في عام 2033، أما الرؤية لهذا القطاع تتمثل في أن يكون لدى جميع الأطفال في الأردن نظام متكامل ومنصف وعادل، يتمحور حول الطفل، ويقدم الخدمة التعليمية والرعاية الصحية في إطار الحوكمة الفعالة، سعياً لتمكينهم وتطوير قدراتهم وإمكاناتهم، لكي يكونوا مواطنين بناءين وإيجابيين وسعداء. لذلك سيشكل تحقيق هدف الخطة فيما يخص الطفولة المبكرة عائداً كبيرا ونوعيا على مستوى وجودة التعليم في المراحل اللاحقة، حيث أكدت الدراسات والبحوث في هذا السياق الأثر الكبير لمرحلة رياض الأطفال على قدرات النشء المعرفية، والانفعالية والمهارية، وقد شخصت الخطة واقع هذا القطاع في المملكة وأشارت إلى أن الخدمات الحالية مجزأة على نحو كبير في الحوكمة، وغير كافية، ومتباينة في الجودة، وبينت حاجة القطاع لتحسين البيانات، وتوظيف القوى العاملة، والتدريب، وتوحيد المرجعيات، والحوكمة والترخيص، والبرامج الموجهة لذوي الاحتياجات الخاصة، والتواصل، والتوعية.

لذلك اقترحت الخطة مجموعة من المبادرات لتحقيق الرؤية في قطاع التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة، كان في مقدمتها تطوير مناهج دراسية وبرامج مناسبة للتعلم، تأسيس مجلس موحد لتنمية هذه المرحلة، إطلاق قاعدة بيانات خاصة بالطفولة المبكرة، تطوير وتحديث إجراءات الترخيص والتشغيل أمام مقدمي الخدمي وجعلها أكثر مرونة، وتشجيع الاستثمار في هذا القطاع.

وبخلاف مرحلة الطفولة المبكرة يتميز التعليم الأساسي والثانوي في المملكة بارتفاع نسبة الملتحقين وهي من أعلى النسب عالمياً، كما يواكب التعليم في هذه المرحلة الاتجاهات الحديثة في تطوير المناهج، غير أن المشترك بين المرحلتين هو ضعف مهارات المعلمين، وتواضع دمج التكنولوجيا، والبيئة التعليمية غير المحفزة في بعض المؤسسات دون غيرها، الشيء الذي يتسبب في تفاوت جودة المخرجات.

وتركز مقترحات الخطة لتحقيق تعليم متميز في مرحلة التعليم الأساسي والثانوي على تدريب نوعي، وأسس اختيار للمدرسين تقوم على التنافسية، وتطوير مناهج دراسية تهتم بالهوية الوطنية والتفكير الناقد وحل المشكلات، وتكريس نظام تقييم ومساءلة ذي جودة وشفافية عالية فيما يخص تقييم الطلبة والمؤسسات التعليمية.

خطة التحديث قدمت مبادرات تعالج الخلل في كافة محاور التعليم في كلا المرحلتين، ونأمل أن يتم تنفيذ هذه المبادرات كما خطط لها، ومن المؤكد أن الخطة تركت للجهات التفيذية وخاصة وزارة التربية والتعليم وضع وتفصيل الإجراءات والبرامج التي تحقق هذه المبادرات وتنفيذها على أرض الواقع.

ومن باب إبداء الرأي وتقديم ناتج القراءة العميقة لواقع التعليم نرى أن تعمل البرامج التنفيذية لمقترحات الخطة إلى جانب تدريب المعلمين وتأهيلهم على زيادة مكتسباتهم المادية والاجتماعية، وربطها بأدائهم، ومواصلة العمل على تعزيز مكانتهم كأحد أهم عناصر الإنتاج والتنمية في المجتمع.