نحتفل هذه الأيام بالذكرى السادسة والسبعين لاستقلال المملكة، وكنا قبل عام احتفلنا بالذكرى المئوية لتأسيس المملكة. وقبله بذكرى تعريب الجيش 1956، وانتصارنا في معركة الكرامة 1968، فقد خاض جيشنا العربي المصطفوي رغم شح الإمكانات، وتواضع الأسلحة في حروب النكبة والنكسة بفلسطين الحبيبة، معارك بطولية يندى لها الجبين. ولقد حبا الله الأردن دون غيره بقيادة هاشمية رفيعة النسب والشرف، استطاعت أن تبني بحبها وتسامحها وحكمتها، وتفاني أبنائها الأردنيين الشرفاء، دولة اختصرت في سباقها الزمن تحدث عنها القاصي والداني.
لم تكن طريق الأردن كما يعتقد البعض مفروشة بالورود، فقد تعرض بلدنا بحكم موقعه وسياسته المعتدلة, وموقفه القومي العروبي, للكثير من المؤامرات والدسائس والأزمات, ولكن إستطاع بحكمة قيادته ووعي شعبه، أن يتجاوز كل تلك العقبات، فالقافلة ما زالت تمضي إلى الأمام, بل وما زلنا إلى يومنا هذا، ندفع ثمناً غالياً لمواقفنا العروبية المشرفة, في الدفاع عن قضايا أمتنا عامة وقضيتنا وإخواننا الفلسطينيين, قضية العرب والمسلمين الأولى (إحتلال فلسطين). ففي حين أدار الكثير ظهورهم لها, ما زلنا بمواقفنا الثابتة, وبحنكة مليكنا القلعة الأخيرة التي تتكسر عليها أطماع الطامعين.
نعلم جميعاً أننا وبحكم موقعنا الجغرافي, وجوارنا للكيان الإسرائيلي, نعيش في محيط ملتهب, نجاور فيه دول عربية شقيقة تعاني أزمات وحروباً داخلية, وأننا أيضاً وبحكم طبيعتنا الجغرافية, فإن حدودنا تمتد لآلاف الكيلومترات من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب هي حدود برية. ولقد عانينا وما زلنا في العقود الماضية, وفي السنوات الأخيرة, لا سيما على الحدود الشمالية للجارة سوريا, من قضايا الإرهاب وتجارة المخدرات, بسبب عدم الإستقرار والفوضى التي تعيشها الشقيقة سوريا, والإنفلات الأمني والسيادي في المناطق الجنوبية, وغياب القوات النظامية على الحدود الأردنية, وتحكم الميليشيات وبعض القيادات العسكرية المتعاونة مع تجار المخدرات, بما تمتلك من أسلحة متطورة مدعومة من تنظيمات ودول لها أجندات سياسية, فأصبح العبء يقع على كاهل الجيش الأردني, الذي يقوم بدور مزدوج, في حماية الأراضي الأردنية من جهة, ومواجهة خطر هذه التنظيمات المسلحة التي تسعى جاهدة الى زعزعة إستقرار المملكة. ولقد وضع جلالة الملك المجتمع الدولي في صورة الوضع القائم, ولكنه شدد في نفس السياق على أن الأردن لن يتساهل, وأننا سوف نرد وبقبضة من حديد, على أي محاولات للتسلل او الإعتداء على أرضينا، لا سيما بعد وقوع حوادث أدت الى إستشهاد بعض الجنود الأردنيين.
من المؤكد أن الأردن أصبح خط الدفاع الأول لدول الخليج المجاورة، فما يجري على الحدود, لا يتعلق بقضية تهريب المخدرات, بل إن هناك دول ومنظمات لديها أجندات خارجية, تريد أن تضغط على الأردن لإدخاله في دوامات وصراعات, ولدفعه لتقديم تنازلات عن مواقفه في قضايا إقليمية ودولية.. لن نقلق على وطن هو (القلعة الحصينة) وجيش خلفه شعب وملك وجهان لعملة واحدة هي الأردن.
مستشار وأستاذ القانون الدولي العام