لقد جاء مشروع قانون الأحزاب السياسية الذي أقره مجلس النواب متوافقا إلى حد كبير مع ما اقترحته اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، حيث يمكن وصف التعديلات التي أدخلها المجلس على مشروع القانون بأنها غير جوهرية، ولم تمس المبادئ الأساسية التي يقوم عليها تأسيس الأحزاب السياسية وممارستها لأنشطتها وبرامجها، والتي أوصت بها اللجنة الملكية.
فمن أهم التغييرات التي صوّت عليها مجلس النواب إلغاء فكرة استحداث مفوض خاص في الهيئة المستقلة للانتخاب اقتُرِح على تسميته بمفوض الأحزاب السياسية، والذي كان يفترض به أن يتابع مع أمين سجل الأحزاب السياسية استقبال طلبات تأسيس الأحزاب والتنسيب باتخاذ القرار المناسب حولها إلى مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب.
وعليه، فقد أصبحت الجهات الإدارية المناط بها متابعة شؤون الأحزاب السياسية في الهيئة المستقلة للانتخاب تتمثل بأمين سجل الأحزاب السياسية، الذي يتولى استلام طلبات تأسيس الأحزاب ويتابع مع الأعضاء المؤسسين إلى حين عقد المؤتمر التأسيسي الأول، ومن ثم يُصدر مجلس مفوضي الهيئة قراره بقبول تسجيل الحزب السياسي من عدمه.
ومن التعديلات الأخرى التي أدخلها مجلس النواب على مشروع قانون الأحزاب السياسية تلك المتعلقة بتخفيض نسبة المرأة والشباب بين الأعضاء المؤسسين، حيث اقترحت اللجنة الملكية أن تكون النسبة (20%) لكل منهما، في حين صوّت مجلس النواب على تخفيضها لتصبح (10%)، مع إيراد نص جديد يلزم الحزب بزيادة هذه النسبة لتصبح (20%) خلال ثلاث سنوات من تاريخ انعقاد المؤتمر التأسيسي.
وقد أحسن مجلس النواب في هذا الإطار عندما حدد التبعات القانونية لعدم التزام الحزب السياسي بهذه الزيادة خلال المدة الزمنية المقررة، إذ اعتبر هذه المخالفة مبررا لكي يتم وقف الحزب عن العمل، ومن ثم الطلب من محكمة البداية أن تصدر قرارها بحل الحزب وفق أحكام القانون.
أما تعديلات مجلس النواب التي قد يثور الخلاف حول مبرراتها وأسبابها فتتعلق بتخفيض الأغلبية المطلوبة لانعقاد المؤتمر التأسيسي، من أغلبية الأعضاء المؤسسين كما اقترحت اللجنة الملكية إلى الثلث فقط. فهذه النسبة الجديدة لا تتوافق مع طبيعة القرارات التي تصدر عن المؤتمر التأسيسي، والتي تشمل إقرار النظام الداخلي للحزب وانتخاب قيادته التنفيذية. فهذه القرارات على درجة عالية من الأهمية، وتستلزم بالضرورة حضور أغلبية الأعضاء المؤسسين وذلك لإضفاء مشروعية قانونية عليها.
وبخصوص ما أثاره النواب من صعوبة اجتماع أغلبية الأعضاء المؤسسين وعدم توافر الامكانيات الفنية واللوجستية لاستضافة هذا العدد الكبير منهم، فإنه يمكن الاستئناس بهذا الخصوص بما أوردته المادة (83) من قانون نقابة المحامين التي تشترط في اجتماع الهيئة العامة للنقابة أن تحضره الأغلبية المطلقة من المحامين الأساتذة، وفي حال عدم تحقق النصاب يتم الدعوة لاجتماع ثان بعد خمسة عشر يوما من الاجتماع الأول، بحيث يكون الاجتماع الثاني قانونيا مهما كان عدد الحاضرين. ويمكن لغايات قانون الأحزاب اشتراط ثلث الأعضاء المؤسسين للحزب السي?سي في الاجتماع الثاني.
ويبقى التعديل المثير للجدل الذي أقره مجلس النواب والمتعلق بالمدة الزمنية المقررة للأحزاب المرخصة القائمة لكي تصوب أوضاعها بما يتوافق مع القانون الجديد. فقد اقترح مجلس النواب زيادة هذه المدة من سنة واحدة لتصبح سنة ونصف.
إن هذا التعديل لا يتوافق مع ضرورة الإسراع في إنفاذ القانون الجديد على جميع الأحزاب السياسية العاملة في الأردن، خاصة وأن شروط توفيق الأوضاع ليست بالتعجيزية.
وعليه، فقد أحسنت اللجنة القانونية في مجلس الأعيان عندما خالفت قرار النواب حول هذه النقطة، وأعادت المدة الزمنية لسنة واحدة فقط.
أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية