منذ اللحظة الأولى التي بدأت روسيا بشن عملياتها العسكرية على أوكرانيا تغيرت توقعات الاقتصاديين نحو النمو الاقتصادي العالمي المرجو خصوصاً أن توقيت هذه الحرب جاء متماشيا مع مرحلة حرجة يتعافى بها العالم من تداعيات جائحة كورونا بالإضافة إلى مستويات التضخم المرتفعة. حيث تأثرت أسواق الأسهم والنفط والعملات بخسائر فادحة وارتفعت أسعار القمح عالمياً، وارتفعت أسعار قطاع الطاقة التي تأثرت بها أوروبا مباشرة حيث ارتفعت أسعار الغاز والنفط ومع ازياد حدة الحرب فإنه من المتوقع أن تشهد أسعار النفط ارتفاعات قياسية، ومن جانب آخر فقد أرتفعت أسعار الذهب بوصفه الملاذ الآمن.
تعتمد أوروبا والشرق الأوسط في سلتهما الغذائية على روسيا وأوكرانيا باعتبار الأخيرة خامس مصدر للقمح على مستوى العالم وهي مصدر رئيسي أيضا للذرة والشعير عالمياً، وهذا ما يستدعي الدول المستهلكة للبحث عن مصادر آخرى. خصوصاً أن واردات الذرة الصفراء ستعمل على رفع أسعار الأعلاف وبالتالي رفع أسعار اللحوم. ومن ناحية آخرى، فإن عملية الشحن سوف تتوقف على نحو كبير بسبب المناورات العكسرية. عملياً تعتبر أوكرانيا اليوم دولة مقطعة الأوصال، وقد بسطت روسيا سيطرتها على بعض الموانئ الأوكرانية وهذا يعني أن العالم يواجه مشكلة في سلاسل التوريد بما في ذلك ما تنتجه أوكرانيا من الحديد والصلب.
إن العقوبات المفروضة على روسيا تشمل 70% من القطاع المصرفي وعدد من الشخصيات السياسية والاقتصادية عبر منع موسكو من استخدام نظام سويفت حيث يمثل فصل روسيا عن العمليات العالمية المتبادلة بالدفع واستلام الأموال ما هو اشبهه بسلاح نووي مالي،وبعض الدول الاوروبية لديها تحفظات مثل المجر وايطاليا، حيث سيتم تقييم الموقف مع البنك المركزي الأوروبي. وهنا تختلف وجهات النظر حيال العقوبات وشكلها وصيغتها النهائية والموافقة عليها وتطبيقها، فلم يتم الاعلان عن العقوبات بشكل رسمي وهذا يتطلب عرضها على الأعضاء ومناقشة مدى فاعليتها في ظل السيطرة الروسية.
والعقوبات على روسيا لن تشمل قطاع النفط والغاز لأن هذا سيصب في مصلحة الدولة نفسها، وإن التهديدات البريطانية لفرض عقوبات جديدة ستؤدي إلى زيادة حدة التصعيد. فيما ينادي بعض أعضاء الاتحاد الأوروبي بالمسارعة إلى ضم أوكرانيا للاتحاد الأوروبي ومنحها العضوية الدائمة.
إن الأزمة تزيد من احتمالات تباطؤ النمو وتهدد بضغوط طويلة الأجل للأسهم نظراً لظروف عدم التأكد والضبابية التي تنتاب المستثمرين. بالاضافة إلى تأثر أحجام التمويل بسبب التخوف من الاقتراض مع تراجع أسهم السياحة والسفر والترفيه في أوروبا التي ما لبثت أن استعادت عافيتها ما بعد الجائجة إلى الدخول في أثار تداعيات هذه الحرب، و قد تكون السندات الأميركية واليابانية ملاذاً آمناً للمستثمرين المحتملين، ففي ظل موجة التضخم التي يشهدها الاقتصاد العالمي فإنه لا يقوى على تحمل أزمات جديدة تؤدي لزيادة الأسعار عالمياً.
Haddad_hossam@hotmail.com