كتاب

هل يتجه العالم نحو «يالطا ٢»؟

يبدو أن العالم يتجه نحو «يالطا ٢» هذه المرة بحلة جديدة. فبعد أن رسمت الدول الكبرى: الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، خارطة العالم، بات بحكم المؤكد لتلك الدول أن تلك الخارطة باتت بالية وأنها لا بد من مراجعة لإعادة رسم المصالح الدولية لكل منها.

وهنا لا يمكن فصل ما يجري من مفاوضات بين إيران والغرب والأزمة الأوكرانية الروسية والأزمة السورية. فهناك تشابك كبير ومعقد بين تلك النزاعات. فبعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاعتراف بإقليمي دونيتسك ولوجانسك، والرد الروسي على إسرائيل قبل أسبوع تقريباً بالتشويش الراداري في أجوائها مما عطل الملاحة الجوية في إسرائيل وما حولها لعدة دقائق في اختبار لمنظومات التشويش التي تعمل من أواسط آسيا، فإننا سنرى سيناريوهات مرتبطة ببعضها البعض.

الرئيس الروسي لا تعجبه نبرة الاستعلاء الإسرائيلية تجاه سياسة بلاده في الشرق الأوسط، كما أن موسكو لا يعجبها ما تقوم به إسرائيل في سوريا منذ مدة لأن تلك التجاوزات والعنتريات قد تشعل حرباً – وإن كانت خاطفة بين الجيشين السوري والإسرائيلي.

فوفق مصادر استخباراتية عسكرية غربية وشرقية، فإنه وفي حال حدوث اشتباك بين الجيشين السوري والإسرائيلي، فإن الرد الإسرائيلي في تلك الحالة سيكون بقصف المراكز الحيوية للقوات الإيرانية في سوريا والعراق ومعامل الطاقة والترسانة العسكرية التي توجد على مقربة من بحيرة قزوين ومضيق هرمز. وفي المقابل سيقوم الجيش السوري بالاستفادة من التشويش الراداري الروسي على المنطقة بالتحرك في جبهتين.

القوات الروسية لن تتحرك هي الأخرى للقيام بأية عملية عسكرية لحين خطاب حالة الاتحاد في الأول من مارس إذ سيلقي الرئيس الأميركي جو بايدن خطابا يتحدث فيه عن سياسة بلاده الخارجية وانسحاب واشنطن من أفغانستان وسياسته تجاه كل من إيران وروسيا والصين.

من المعروف أن الرئيس بايدن يريد تحقيق نصر رمزي يعيد له وللولايات المتحدة مصداقيتها أمام العالم وخصوصاً أمام الدول الشرق أوسطية وشرق أوروبا قبيل بدء الحملة الانتخابية النصفية والتي من المتوقع أن يفوز بها الجمهوريون هذه المرة بحصولهم على الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ.

في الوقت الحالي تبدو واشنطن مشدوهة من الواقع الإيراني والروسي والأوكراني والسوري. فقد نرى في الأيام القادمة اشتداد المعارك في بعض مناطق سوريا والعراق وازدياد مناسيب الحروب بالوكالة على الساحتين العراقية والسورية في محاولات من عدد من الدول الكبرى للضغط على إيران وروسيا للوصول إلى صيغة تفاهمات.

لا يبدو أن الرئيس الروسي سيقبل بأن تعود عقارب الساعة إلى الوراء وتحديداً إلى العام ١٩٩١، فهو عازم على ما يبدو على إعادة روسيا إلى المحافل الدولية من «بابها العالي» وهو ما يفسر زيارة عدد من المسؤولين الأوروبيين إلى موسكو وكييف في الأيام الماضية لنزع فتيل الازمة ولمنع كرة الثلج من التدحرج أكثر. كما أن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى أوكرانيا يفسره البعض بأنه وقوف ضد المصالح الروسية.

لذلك نرى أن روسيا اليوم تنظر إلى الشرق الأوسط وشرق أوروبا وأواسط آسيا كبوتقة واحدة لا يمكن فصلها لأن ملفاتها متشابكة. ولا ننسى دعم الصين لروسيا في مواقفها لأنها تعتبر أن ما قد يحدث في الصراع السياسي بين روسيا والغرب قد يتطور لاحقاً ليطال المصالح الصينية. فالصين هي أكبر من يؤمن بقصة الأسد والثلاثة ثيران.

في الختام، تريد روسيا من وجهة نظرها إعادة ميزان القوى في العلاقات الدولية بين روسيا والولايات المتحدة كدولتين عظميين، أما واشنطن فتسعى لكي تبقى موسكو وبيجينج قوتين إقليميتين لا أكثر.

فهل تحتكم الأطراف جميعها للغة العقل والحوار والمفاوضات وخطاب السلام أم أن الغلبة ستكون لوقع البنادق وهدير الدبابات والطائرات؟