كتاب

بين الهيئة المستقلة والأحزاب السياسية

بعد أن تدخل التعديلات الدستورية لعام 2022 حيز النفاذ ويتم إجراء المقتضى التشريعي بتعديل قانون الهيئة المستقلة للانتخاب، ستنتقل مسؤولية الإشراف على الأحزاب السياسية ومتابعة شؤونها من وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية إلى الهيئة المستقلة.

وقد عمدت اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية إلى تضمين مشروع قانون الأحزاب السياسية الجديد الذي أقرته نصوصاً تتماشى مع هذا التغيير التشريعي الإيجابي.

وتظهر مبررات ربط الأحزاب السياسية بالهيئة المستقلة للانتخاب في أن هذه الهيئة التي جرى إنشاؤها بموجب التعديلات الدستورية لعام 2011 هي الجهة صاحبة الولاية العامة في إدارة الانتخابات النيابية والبلدية والإشراف عليها، بالإضافة إلى أي انتخابات عامة بموجب القانون. وعليه، فإن الطموح الدستوري في الوصول إلى حكومات برلمانية يعتبر مبررا مشروعا لكي تكون الجهة المشرفة على الانتخابات هي ذاتها التي تتابع شؤون الأحزاب السياسية، خاصة وأن مشروع قانون الانتخاب الجديد قد تبنى نظام القائمة الحزبية الوطنية المغلقة، والتي ستعتبر?الأساس في عملية الترشح للانتخابات النيابية خلال السنوات القادمة.

إن الأحزاب السياسية ستكون في المستقبل هي نقطة الانطلاق في تشكيل البرلمانات، حيث تم الاتفاق على توسيع قاعدة تمثيلها في المجالس النيابية. بالتالي يتوافق مع منطق الأمور أن تكون الجهة التي تشرف على شؤون الأحزاب السياسية هي ذاتها التي تختص دستوريا بإجراء الانتخابات النيابية.

وتبقى الإيجابية الأبرز التي ستقدمها الهيئة المستقلة للأحزاب السياسية تتمثل في الاستقلالية والحيادية في إصدار القرارات ذات الصلة بتأسيسها ومتابعة شؤون عملها. فالأحزاب السياسية تشرف عليها اليوم لجنة شؤون الأحزاب الحكومية التي يرأسها أمين عام وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية، وتضم في عضويتها الأمناء العامين لوزارات الداخلية والعدل والثقافة، بالإضافة إلى ممثل عن مؤسسات المجتمع المدني يسميه رئيس الوزراء، وآخر عن المركز الوطني لحقوق الإنسان يسميه مجلس أمنائه.

إن هذه التشكيلة للجنة شؤون الأحزاب تضمن للحكومة السيطرة الكاملة على النشاط الحزبي فيما يخص تأسيس أحزاب سياسية جديدة والرقابة على أنشطة الأحزاب القائمة وعلاقتها مع بعضها البعض. وهذا الأمر لا يستقيم مع فكرة الحكومة البرلمانية التي نسعى إلى الوصول إليها، إذ لا يُعقل أن تُعطى السيطرة للحزب الحاكم على باقي الأحزاب السياسية الأخرى في الدولة، حيث ستغيب الحيادية والموضوعية في التعامل معها، وذلك رغبة من الحزب الحاكم في تحييد الأحزاب المنافسة له لضمان بقائه في السلطة.

ولا يمكننا القول إن الوضع كان في أي مرحلة سابقة أفضل مما هو عليه الآن. فقانون الأحزاب السياسية القديم لعام 2012 كان قد أنشأ أيضا لجنة شؤون أحزاب حكومية، إلا أنه اختلف عن القانون الحالي في شخص رئيس اللجنة، التي كان يرأسها في السابق وزير الداخلية وتضم في عضويتها الأمناء العامين من وزارتي العدل والداخلية، بالإضافة إلى المفوض العام لحقوق الإنسان.

أما الإيجابية الأخرى في إسناد مهام متابعة الأحزاب السياسية إلى الهيئة المستقلة للانتخاب فتتمثل في التخلص من الإصرار التشريعي في قوانين الأحزاب السياسية المتعاقبة، والتي كانت تزج بالمركز الوطني لحقوق الإنسان في لجنة شؤون الأحزاب السياسية، وذلك إما من خلال شخص المفوض العام كما في القانون القديم أو ممثلاً عن المركز في القانون الحالي.

إن تمثيل المركز الوطني في لجنة شؤون الأحزاب يتعارض مع الهدف الأساسي من إنشائه. فهو جهة محايدة يلجأ إليها الأردنيون إذا شعروا بظلم وتعسف يقع عليهم أثناء ممارستهم لحقوقهم الدستورية. بالتالي، فإن عضوية المركز في هذه اللجنة ستجعل منه الخصم والحكم في الوقت نفسه، وستفقده حياديته في التعاطي مع أي شكاوى تتعلق بالتضييق الحكومي على ممارسة الأفراد لحقهم في تأليف الأحزاب السياسية والانضمام إليها.

أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق/الجامعة الأردنية

laith@lawyer.com