استكمالاً للمقال السابق حول الأحزاب السياسية وما هو مطلوب منها في مرحلة ما بعد الدخول في الإصلاح السياسي, ورغم قصر المدة فنحن مقبلون على انتخابات المجالس البلدية والمركزية, والتي تعتبر مؤشر (البروفة) للانتخابات النيابية القادمة.
الغريب أن أياً من الأحزاب السياسية بمختلف مسمياتها, لم تُعلن عن ترشيح أي من منتسبيها أو المنتمين للانتخابات, فلم أشاهد أي دعايات انتخابية تدل على ذلك. فما زال الترشح فردياً, ويستند إلى قواعد اجتماعية ذات طابع عشائري ومناطقي.
ويمكننا القول إن الحكومة أوفت بما هو مطلوب منها, تشريعياً وتنظيمياً وإعلامياً. أما على المستوى الشعبي فإن استطلاعات الرأي العام, تشير إلى عزوف الناس عن المشاركة في الاقتراع, بل إن أكثر المتفائلين لا يتوقع أن تزيد نسبة المشاركة عن (28%), ويبدو أن عزوف الأحزاب عن المشاركة لم يأت من فراغ, بل لتجنبها صدمة الفشل. وعلى الأغلب فإنها تدخر جهدها لكسب الوقت, للإعداد للمعركة الأهم, ألا وهي الانتخابات النيابية القادمة واعتقد ان ذلك من أكبر الأخطاء التي ترتكبها الأحزاب باعتبار أن المجالس المحلية هي المفتاح الأهم لكسب القواعد الشعبية بما تقدمه من خدمات ولقد اثبتت التجارب أن كثيراً من النواب الذين وصلوا إلى مجلس النواب كانوا في المجالس الخدماتية.
نتفق جميعاً أن الشارع الأردني ما زال ينظر للأحزاب السياسية بموروث سلبي, بل إن ما زاد في الطين بلة, أن الأحزاب منذ عودة الحياة السياسية عام 1989, لم تستطع أن تقنع الناس, وتخلع عنهم ثوب الخوف من الانتماء للأحزاب, وربما يعود ذلك لكون الأحزاب طغى عليها الطابع الشخصي (أحزاب أشخاص).
ومن جهة أخرى عدم جدية الجهات الرسمية في تغيير الواقع, وإبقاء الصورة النمطية السلبية عن الأحزاب كما هي.
من البديهي أن الانتماء للأحزاب السياسية, أساسه رغبة وانتماء فكري للأفراد, وهنا بيت القصيد. فالمتفحص والمتابع للحياة السياسية للمجتمع الأردني, ما بعد مرحلة الانقطاع, يعلم أن التنشئة السياسية والانتماء السياسي لدى الأجيال المتعاقبة, تكاد تكون محدودة او معدومة, وأقصد بالتنشئة السياسية الحزبية, الرغبة بالمشاركة في الحياة السياسية, للتعبير عن المبادئ والأفكارالأيديولوجية, من خلال منظمات المجتمع المدني بما فيها العمل الحزبي, والوعي بأن التمثيل الديمقراطي الصحيح, لا يكون الا من خلال حكومات حزبية برلمانية, ذات برامج سياسية واقتصادية, وهنا بيت القصيد ايضاً, فالأحزاب الموجودة على مسرح الحياة السياسية, وإن كانت تطرح نفسها كبديل وحل لتنشيط الحياة السياسية, فللأسف ما زال حتى المواطن المثقف ينظر إليها بأنها أحزاب نخبوية, تهدف للوصول إلى السلطة, غير قادرة على ردم الفجوة الكبيرة بينها وبين المواطن, فلا هي قادرة على إقناع الناس بأهمية وجودها. ولم تبذل أصلاً جهداً يذكر بهذا الخصوص, فلجأت لمعالجة هذه الفجوة, لاختصار الزمن باعتماده على نواب برلمان, وشخصيات ذات وزن سياسي وعشائري واجتماعي, في محاولة لكسب قواعدهم الشعبية, بهدف الوصول إلى تمثيل أكبر في مجلس النواب، والنتيجة أننا إذا بدأنا الآن فعلياً، نحتاج إلى عشرين عاماً للوصول إلى أحزاب تستطيع تشكل حكومات برلمانية.