«المراهنات الرياضية».. إدمان شبابي في الخفاء ولا رقابة
تاريخ النشر :
الأحد
12:00 2022-2-13
طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ
عمان- د. أماني الشوبكي
تشير تقارير سابقة لشركات الإحصاءات الرياضية، التي تراقب المراهنات وترصد المخالفات في البطولات الرياضية العالمية، أن قيمة المراهنات على رياضة كرة القدم في الأردن بلغت بمعدل خمسة ملايين دولار أميركي في المباراة الواحدة.
ولا يخفى على أحد أن الرياضة في الأردن محل اهتمام للمراهنين كما في أي دولة أخرى، حيث تعمل شركات المراهنات على تحليل النتائج والفرق فنيا ونقل وقائع المباريات مباشرة عبر مواقعها الإلكترونية للعالم أجمع.
لكن المفاجأة والقصة المخفية في الأردن تكمن في «المراهنين الشباب»، والنشاط الذي تمارسه شركات المراهنات العالمية، عبر وكلائها المنتشرين في جميع محافظات المملكة، بالإضافة الى وجود لاعبي مراهنات أردنيين في «الكازينوهات الرياضية» العالمية.
الرأي، أجرت تحقيقا استقصائيا مع مجموعة من وكلاء شركات الرهانات وكازينوهات المراهنة، ومع عدد من الشباب الأردنيين المراهنين، لمعرفة واقع المعارك التي تحدث في الظلام.
بدأت شركات الكازينوهات والمراهنات العالمية في العمل في الأردن منذ عام 2007 بشكل ضعيف، وذلك لعدم الانتشار الواسع للإنترنت، لكن، مع مرور الوقت ومع الترويج الذي تمارسه هذه الشركات، بات الواقع مختلفا وصار انتشارها واسعا بين الشباب.
إذ تروج هذه الشركات لاعتبار عدم وجود كازينوهات أرضية ومرخصة في الأردن «ميزة» وليست عيبا أو عائقا يمنع الوصول، ما يجعلها تقدم طرقا غير قانونية للاحتيال على السلطات (وفق تعبيرها) دون أي خوف ومع ضمان عدم ملاحظة السلطات لأي نشاط، وذلك من خلال استخدام بعض التقنيات البسيطة والمتطورة حسب حاجتها.
وتروج هذه الشركات لنشاطها عبر مجموعة من الامتيازات، وفق وصفها، حيث تشير إلى أن مواقع الكازينو عبر تقنية الأونلاين والمراهنات المتاحة في الأردن، حدودها المالية منخفضة مقارنة بالكازينوهات ووكالات المراهنات الأرضية، باعتبار أن تكاليف التشغيل منخفضة جداً.
كما أن ضمانات التشفير والحماية للبيانات الشخصية، وإمكان اختيار المستخدم اسما مستعارا بدل اسمه، ووجود مجموعة متنوعة من الألعاب لكبرى شركات البرمجيات في العالم مثل Microgaming»، وNetEnt وNextGen» وغيرها من شركات تطوير الألعاب، وتقديم مكافآت ترحيبية للمستخدمين الأردنيين تصل إلى ألفي دينار أردني.
وتعتبر مواقع الكازينو والمراهنات التي تستهدف الأردنيين، مواقعَ مرخصة من قبل لجنة المقامرة بالمملكة المتحدة ومنظمة إيكوجرا ولجنة كاهناواكي للألعاب وهيئة مالطة للألعاب وهيئة كيوراكاو لمنح التراخيص ومنظمة جبل طارق للرهان والمقامرة.
نشاط الوكلاء
يعتبر نشاط الوكلاء في الأردن نشاطا منظما، ينتج في الخفاء من خلال التدريب المستمر للوكلاء من قبل شركات المراهنات على استخدام التقنيات الحديثة في نقل وقائع المباريات.
إذ يُدرَّب الوكلاء الذين يجري اختيارهم من شركات المراهنات على نظام إلكتروني لبث المباريات عبر تطبيق ذكي أو لوحة مستخدِم إلكترونية تتبع لموقع الشركة، تحتوي خيارات مجريات المباراة، كانطلاق المباراة، وتوقفها، وتسجيل هدف، وطرد لاعب، واستحواذ الكرة من قبل لاعبي أي فريق، وغيره من مجريات المباراة التي يمكن حدوثها في أي مباراة.
ورغم وجود بث تلفزيوني للمباريات، إلا أن الفكرة في بث هؤلاء الوكلاء المباريات في الملاعب الأردنية تكمن في «سرعة البث»..
إذ يتأخر البث التلفزيوني المباشر من 6-8 ثواني، حسب إشارة أحد الوكلاء، في حين تكون الاستجابة وسرعة النقل فورية عند نقل الأحداث برمجيا عبر الوسيلة التي تتبعها شركة المراهنات، وهو ما تعتمد عليه شركات المراهنات التي تقدم خيارات الرهان على المباريات باختلافها.
وتشمل عملية الرهان على المباريات مجموعة واسعة من الخيارات، كالرهان على نتيجة الفوز لأحد الفرق، أو التعادل، أو توقع الفريق الذي سيسجل أولا، أو عدد الأهداف المتوقع تسجيلها في المباراة (أكثر/ أقل) من، أو الرهان المزدوج، وغيرها من خيارات الرهان.
وهو ما يجعل سرعة نقل الأحداث الأمر الأكثر أهمية في نظام العمل، خصوصا وأن هناك خيارا يتيح للمستخدم (الانسحاب) من عملية الرهان التي قام بها، وبالتالي فإن الفارق الزمني المقدر بـ 6-8 ثوان يعتبر كافيا لشركات المراهنات في ضمان عدم انسحاب المراهنين بعد حدوث أي تغيير في نتيجة المباريات أو مجرياها.
وفي السؤال حول إمكان وجود المراهنين بين الجماهير في الملعب، وانسحابهم في نفس الوقت الذي جرى فيه حدوث تغيير في النتيجة، كانت الإشارة إلى أن الأنظمة التي تعمل بها هذه الشركات تعتمد على خيار (التوقف المتوقع) حيث يجري تعليق عمليات الرهان والانسحاب منه، عند حدوث أي هجمة لأي فريق، أو عند ضربات الجزاء والضربات الحرة من المناطق الخطرة.
معارك وخدمات بالآلاف
صراع كبير يحدث بين وكلاء الشركات العالمية في الأردن، إذ يحاول وكلاء هذه الشركات التأثير على الوكلاء الآخرين، من خلال محاولة إقناعهم بتأخير نقل نتائج الأحداث التي ينقلونها الى الشركات التي يعملون معها.
إذ أشار أحد الوكلاء، في حديثه، إلى أن أمرا من إحدى شركات المراهنات التي كان يعمل معها جاءه، للتوجه إلى ستاد عمان الدولي للبحث عن أحد الوكلاء الآخرين، الذي تم ارسال معلوماته الشخصية وصفته، لمحاولة التأثير عليه وإقناعه بتأخير الإبلاغ عن تسجيل هدف، لمدة دقيقة، مقابل مبلغ ألفي دينار أردني.
ويتقاضى وكلاء شركات المراهنات في الأردن مبلغ 150-250 دينارا على المباراة الواحدة، ومبالغ أخرى لقاء مجموعة من الخدمات التي قد تطلبها الشركات من وكلائها، كالذهاب الى الملاعب والبحث عن وكلاء شركات أخرى، ومحاولة التأثير عليهم أو الحصول على معلومات الاتصال الخاصة بهم للعمل على توظيفهم لديها، أو حتى للتأكد من وجودهم في تلك الملاعب.
ويقول أحد الوكلاء إن المعلومات التي كنا نتلقاها كانت تشير إلى هيئة وطبيعة الأشخاص الذين يتوقع تواجدهم في الملاعب حسب مرجعيتهم لشركاتهم.
ويذكر أنه في إحدى المرات تلقى أمرا بالتوجه الى ستاد مدينة الحسن بإربد، والبحث عن وكيل احدى الشركات، الذي يُتوقع أن يكون موقعه داخل المدرجات على الأطراف، ويتوقع استخدامه «سماعة» هاتف، لأن الشركة التي يتبع لها (صينية) والنقل للأحداث فيها يتم من خلال الاتصال الهاتفي، وهو ما يعني منطقيا أن الوكيل لن يبمسك الهاتف بيده طوال 90 دقيقة، مع الأخذ بالاعتبار أن لا مشجع يأتي للملعب لمشاهدة المباراة ويستمر بالتحدث بالهاتف طوال مدة المباراة.
ويوصح هذا الوكيل أن وكلاء شركات المراهنات ينقلون بشكل أساس أحداث مباريات دوري المحترفين ودوري الدرجة الأولى لكرة القدم، ومباريات المنتخب الوطني لكرة القدم (رجال – سيدات) بمختلف فئاته العمرية، ودوري كرة السلة والمنتخبات الوطنية الخاصة بكرة السلة.
إدمان الشباب وغياب الرقابة
غياب الرقابة، وجهل السلطات في الآليات المتبعة من قبل شركات المراهنة، جعل الشباب يقبِلون على التسجيل في شركات المراهنات الرياضية وألعاب الكازينو بشكل كبير بحثا عن مصدر دخل في ظل البطالة المرتفعة بينهم.
الآليات المتبعة من قبل شركات المراهنة، تتيح للمستخدمين الأردنيين إجراءعمليات المراهنة واللعب من خلال تقديم حلول مالية للقيود التي تفرضها الدولة التي تعتبر المقامرات محرمة وتمنعها بشكل قطعي.
إذ تتيح الشركات إمكان التسجيل لدى وسطاء معتمدين يقدمون بطاقات ائتمان افتراضية يمكن شحنها من خلال عمليات التحويل البنكي – نقاط البيع، أو عمليات الشراء عبر الإنترنت، أو المحافظ الالكترونية التي من الممكن شحنها من أي بطاقة ائتمان في العالم، وتحويل الرصيد من – إلى، ثم إلى المحفظة، وفي الآونة الأخيرة ظهرت إمكانية التحويل المالي من – إلى العملات الرقمية.
الأمر الأكثر خطورة يكمن في عمليات الاستغلال التي تحدث، إذ يدعو بعض الأشخاص الشباب الآخرين للمراهنة واللعب من خلال التسجيل في أحد المواقع الإلكترونية عبر «روابط الإحالة» التي تخص موجه الدعوات، بالتالي فإن زيادة استخدام المواقع الإلكترونية الخاصة بالكازينوهات والمراهنات تعتبر عملية مدفوعة الأجر لمن يقوم بها، ولا يتأثر موجه الدعوات الأول في حال ربح المستخدم الذي سجل بواسطته أم خسر، لأن الهدف الأساس يكمن في تسجيله في الموقع.
كما أن معظم المواقع الإلكترونية تقدم مكافآت ترحيبية تُراوح بين 500–2000 دينار أردني، مقابل التسجيل في الموقع وشحن المحفظة الإلكترونية في الموقع والقيام باللعب والرهان.
وفي حال توقف المستخدم واعتزاله لعملية المراهنة أو اللعب، فإن هذه الشركات ومن خلال أنظمتها الالكترونية، تقوم بعد مدة بإرسال مبالغ مالية إلى حسابات المستخدمين في مواقعها، ليقوموا بالمراهنة بها وكسب الأرباح، وبالتالي عودة اللاعب والمراهن المعتزل لما كان عليه، ليصبح مدمنا إدمانا تاما.