كتاب

يسرقون أبناءنا

من المؤكد أن نمو الأطفال جسدياً، وانفعالياً، وذهنياً يتحقق بمقدار الرعاية التي يتلقونها من أسرهم، وبمقدار الوقت الذي يمنحه الآباء والأمهات لأبنائهم، شريطة أن تمتلئ الأوقات بالمشاعر الدافئة والإيجابية، والتوجيه نحو مهارات الحياة والتكيف مع المستجدات، والاعتماد على النفس.

الأسرة هي الوحدة الاجتماعية المسؤولة عن تكوين الشخصية المتزنة للأفراد، ويشعر الأطفال بمشاعر الانتماء والطمأنينة بقربهم من آباهم وأمهاتهم، ويكتسبون منهم ما يحتاجونه لتسيير أمور حياتهم والتكيف مع مجتمعاتهم، وفي حال قصور دور الأسرة عن احتضان أبنائها وإحاطتهم بمشاعر الحب والحنان، تظهر في شخصية الأبناء وسلوكاتهم مظاهر العجز والسلبية ومشاعر الإحباط، وضعف تقدير الذات، مما يدفع لتنامي سلوك الانحراف، والعدوانية، والعجز عن تحقيق ذواتهم، وفشل نموهم الاجتماعي.

وقد تسببت تطورات الحياة المتسارعة، وتغير الأنماط المعيشية للأسر من أسر يتفاعل أفرادها بشكل مباشر وإيجابي ومن خلال أدوار تعاونية، إلى أسر تخبو فيها مشاعر دفء العواطف، وتتسع المسافات بين أفرادها، وقد تنامت هذه القطيعة في داخل الأسر وبين الأبناء والآباء باختراق أدوات تكنولوجيا الاتصالات الحديثة حجرات المنازل، وباتت أدواتها المتعددة وفي مقدمتها الهواتف الخليوية أو الذكية وسيلة تسببت بقطيعة وجفاء واضحين بيننا وبين أبنائنا، رغم قربنا المكاني منهم داخل بيوتنا ومنازلنا.

أصبح لزاما علينا كآباء توفير هذه الأجهزة الذكية لأبنائنا رُغما عنا، وليس لنا في ذات الوقت أدنى سيطرة أو دور في تحديد مدى تأثيرها على عقولهم وقيمهم التي باتت تتشكل بفعل هذه الأجهزة لا بفعلنا وتوجيهنا، لم يعد بمقدورنا كآباء وأمهات أن نمنع عنهم ما يشوه ثقافتهم، ومواجهة تأثير المد العاتي لأمواج الفضاء المتدفقة من هواتفهم الخليوية أو الذكية في تشكيل شخصيتهم وعقولهم وانفعالاتهم.

تزدحم الأجهزة التي بين أيدي أبنائنا بمواقع إلكترونية تقوم عليها جهات وأشخاص لا نعلم أهدافهم وتوجهاتهم، يوظفون كل التقنيات والبرامج والمؤثرات النفسية القادرة على سرقة أبنائنا من بين أيدينا، وجعلهم مرتهنين لهم، يغيبون عقولهم عن واقعهم ومجتمعاتهم، ويشكلون قيمهم خارج منظمومة القيم في أوطانهم، كما يسلبون قدراتهم وطموحاتهم وآمالهم، ويجعلون منها طاقات مهدورة، أو موجهة في وجهة تطيح بكل أمل لنا في مستقبل مشرق لهم ولأوطاننا ومجتمعاتنا.

لا بد من دور وطني مسؤول حيال هذا الخطر المدمر لمستقبل أبنائنا، ولا بد من أدوار رئيسة لمناهج وسياسات التعليم للعمل على تحويل اتجاهات الجيل نحو غايات استخدام أجهزة الاتصال الحديثة، لتكون غايات ذات فائدة ونفع وتعلم، وليس غايات كارثية على عقولهم وأذهانهم وانفعالاتهم.

Rsaaie.mohmed@gmail.com