العولمة تمثل تكثيفا للتجارة الدولية وروابط التمويل المدعومة بالتحرر الاقتصادي والتغير التكنولوجي وهي بذلك بمثابة تحديات وفرص للدول العربية والنامية. فبعد مراجعة الأداء المخيب للآمال للعديد من دولها من حيث التكامل الاقتصادي والنمو، نرى أن العقبات الرئيسة هي من صنع الدول صاحبة الشأن لأن المزاجية السياسية تلعب دورا مهما في طابع العلاقات الاقتصادية تلك.
تتميز الظروف التي يمر بها العالم العربي اليوم بتغيرات سريعة. فعلى وجه الخصوص، فإن التدويل الدراماتيكي أو عولمة النشاط الاقتصادي خلال العقدين الماضيين، والعواقب السياسية والاجتماعية العميقة التي تنجم عن ذلك حيث القوي يقود العالم نحو العولمة خاصته ومن يقف في وجهها يعد عاصيا وعاقا لأرباب الشركات الكبرى التي تدير العالم والتي تتحكم بسياسييه، تعني ان يكون القرار السياسي والاقتصادي والعسكري خارج حدود تلك الدول.
إن جزءا من العولمة قد ينعكس على سياسات الحكومات حيث تحكمت تلك القوى الكبرى بالتغيير التكنولوجي، لا سيما في مجالات النقل والاتصالات. ففي الوقت الذي ساعدت العولمة بعض الدول المتقدمة في الرخاء أكثر على حساب الدول النامية التي لا صناعات لديها ولا تكنولوجيا، نرى أن التحدي القائم يكمن في تهميش الدول النامية والفقيرة إذ هناك حاجز زمني يفصل بين تلك الدول والدول المتقدمة مئات السنين تكنولوجيا. فمن المسؤول عن ذلك؟
العولمة هي نتيجة طبيعية أثرت في المقاييس الوطنية والثقافية على مر العصور، وهذه العملية مستمرة لإزالة تلك الحدود الوطنية بين البلدان بمساعدة الاتصالات السلكية واللاسلكية التي شجعت التفاعلات بين الأمم والأفراد دون فهم لغة بعضهم البعض، مما يجعل اللغة حاجزا بدلاً من أن تكون وسيلة للتواصل. ومن ثم، ظهرت الحاجة إلى لغة عالمية لإزالة حواجز الاتصال بين الناس والدول في هذا العصر العالمي. لكن هذه اللغة العالمية أو اللغة المشتركة تتطلب بعض التعديلات حتى تكون آلية التواصل أبسط وأكثر أمانا واقتصادية، ناهيك عن تأثيرها ال?قافي على العالم العربي والآثار اللغوية التي بدأنا نشهدها في جيل الالفية الجديدة تشي بأننا أضعنا بوصلتنا وهويتنا.
تتميز العولمة بالفقر المستمر وتزايد عدم المساواة، فتقول الحكمة التقليدية ان هذا الفقر العالمي باق، وحركة العولمة تلك تؤدي إلى تحرك رأس المال من الدول الفقيرة إلى الدول الأكثر جذبا للاستثمار بقوانينها التي تحمي المستثمرين وتتمثل تلك بالدول الغربية، وهذا يعني هجرة العقول والعمالة الماهرة من بلدانها إلى الدول الغربية سواء أكان ذلك عن طريق الهجرة أو عقود العمل.
للأسف يقول البعض إن دولهم باتت مراكز للفساد وعدم احترام الكفاءات والعقول لأن التعيينات والعمل في الوظائف العليا وغيرها لا يكون إلا وفق معطيات محددة لا تخدم أوطانها ولا شعوبها. لذلك تقرر تلك العقول بالهجرة لا حبا بها بل رغما عنها لأن الطريق أمامها مغلق بل موصد لا يدخل إليه إلا كل ذي واسطة عظيم وذي شأن كبير. وهذا ما يفسر اعتماد الدول المتقدمة على عقول المهاجرين من دول فقيرة ونامية لم تخدمها أوطانها بل نفرتها منها.
وهذا يفرض تحديات على صانعي السياسات في الشركات والبلدان في الدول النامية والعربية تحديدا. فهل نحن على وشك أن نشهد الانهيار الداخلي للدول النامية بفساد أهلها وهجرة عقولها؟