كتاب

من لا ينفعك حضوره لا يضرك غيابه!

لقد تابعت باهتمام الرسالة التي وجهها جلالة الملك حفظه الله للشعب الأردني, بمناسبة ميلاده الستين, والتي لخص فيها مسيرتنا السابقة وملامح المستقبل المنشود, في إطار رؤية وطنية مستقبلية شاملة, عالج فيها مكامن الخلل ونقاط الضعف, ووضع البدائل وفقاً لخريطة طريق واضحة المعالم.

ولقد تحدث جلالته في هذه الرسالة عن المصاعب الخارجية, التي واجهتنا في السنوات السابقة, بشقيها السياسي والاقتصادي، والتي كان لها الأثر الكبير على حياتنا مثل: تدفق اللاجئين، وقف المساعدات, اضطرابات دول الجوار, وغيرها من المصاعب.

لكن ما لفت انتباهي أكثر بحديث جلالته, أنه تحدث بلسان ونبض المواطن, فحدد مكامن الخلل في مسيرتنا, وأفرد مساحة واسعة في حديثه, عن الضعف في العمل المؤسسي في كافة أجهزة الدولة, وأسبابها وتراكمها وتباطؤها وتلككها في تنفيذ البرامج والخطط, وما تعيشه تلك المؤسسات من بيروقراطية وانعدام الشفافية, والمصارحة والانغلاق في وجه أية دعوى للتغيير, أدت جميعها إلى انفصام في العلاقة ما بين المواطن والجهات الرسمية, نتائجها انعدام الثقة وانتشار الإشاعة.

المتمعن في حديث جلالة الملك, يلمس مدى الصراحة والمكاشفة التي تحدث بها, فكأن لسان حاله يقول لنا جميعاً أن لا خطوط حمراء عندما يتعلق الأمر بالحقوق والواجبات, فالاعتراف بالمشكلة نصف الحل. فما قاله جلالته بصراحة يعتبر في نظر الكثير (خط أحمر), إذا تحدث به أحد من الناس, بل في كثير من الأحيان من المحرمات, فالتهم جاهزة ونظرية المؤامرة حاضرة. وهنا لا بد من التفريق بين النقد البناء والنقد الهدام, فللأسف ما زلنا ننظر للحالتين بتشكيك, فنفي وتغييب الحقائق هما السمة الغالبة في سياسة الحكومات المتعاقبة, والنتيجة فقدان الثقة والتشكيك, فأصبحت الحكومات متهمة دائماً حتى وإن أثبتت عكس ذلك.

إن حديث جلالة الملك بهذه الصراحة والدقة اللامتناهية, أزال الغشاوة السوداء عن أعين الكثير من الناس, فسياسة (الإمهال) لم تعد تجدي نفعاً, ولم يعد مقبولاً الادعاء أن هناك من يحتمي بعباءة جلالة الملك, فبعد أن وجه نقداً صريحاً للسياسات العامة حدد نقاط الضعف, وتحدث بعدها بإسهاب عن رؤية وطنية شاملة, وخارطة طريق للمستقبل, ولكن ومن باب التذكير, ليس أكثر, أود التركيز على ما قاله جلالته عن الحاجة إلى إعادة بناء الثقة بين المواطن والمسؤول, والابتعاد عن دوامة اللوم والتشكيك بالمصارحة والمكاشفة والشفافية، في ظل منظومة متطورة, تفسح المجال للمبدعين أصحاب القرار أن يتبوأوا المسؤولية.

وخلاصة القول كانت الرسالة الملكية شفافة ومهمة وتمثل رؤية وطنية شاملة، فلسنا بحاجة لأصحاب الأيادي المرتجفة, والمترددين في اتخاذ القرار, والذين يعشقون البيروقراطية, ولا يؤمنون بالتغيير والذين يؤمنون بأن الكرسي تشريف وليس تكليفاً, فهؤلاء يشكلون العائق الأكبر في مسيرتنا, فنحن يا جلالة الملك لسنا بحاجة للضعفاء في مركز القرار, فهؤلاء ينطبق عليهم مقولة: «من لا ينفعك حضوره لا يضرك غيابه».