كتاب

الحج إلى «بيجينج»

أجرى عدد من وزراء خارجية الشرق الأوسط وشمال إفريقيا زيارة إلى الصين في بداية شهر يناير 2022. لعل زيارات المسؤولين العرب لبينجنج تشي بأن الشؤون الجيوسياسية تفوق الاهتمامات الاقتصادية.

وهنا لا بد لنا من معرفة كيف تؤثر الصين والولايات المتحدة على العالم حتى نعرف كيف تؤثر كل منهما على الشرق الأوسط. فعندما سقط الاتحاد السوفييتي ظهرت قوة الصين عالمياً وإيران إقليمياً، ولم يكن في حسابات واشنطن يوماً أن تكون الصين بهذه المكانة الدولية أو إيران بتلك القوة الإقليمية. فقد تمكنت الصين من التحالف مع عدد من الدول المتناقضة المصالح وذات الدوافع السياسية المتضاربة وهذا ما جعلها لاعباً قوياً في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا عبر البوابة الاقتصادية ومن ثم العسكرية حيث وقع عدد من دول الشرق الأوسط عدداً من ا?اتفاقيات العسكرية لشراء منظومات صواريخ متطورة وهو ما أشار اليه الرئيس الصيني شي جين بينج بـ «التعاون المربح».

فعلى مدى العقدين الماضيين، كان القادة الصينيون يركزون اهتمامهم على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الوقت الذي تركز فيه واشنطن اهتمامها نحو الباسيفيك ما جعل الصين تلبي احتياجات دول الشرق الاوسط بشكل كبير خاصة في المجالات التكنولوجية. فمع ترجيح بقاء الرئيس الصيني بولاية جديدة في العام المقبل بعد مقترح دستوري يتيح له ولاية ثالثة بعد العام 2023، سنرى للصين تأثيراً عالمياً أكبر وخاصة في دول الشرق الأوسط وإيران وتركيا وشمال افريقيا تمهيداً لتبلور النظام العالمي الجديد الذي يمنح بيجنج وموسكو وواشنطن المرونة ف? التعامل مع القضايا الدولية الشائكة.

فهل نصبت واشنطن للصين فخاً شرق أوسطياً؟ الجواب حتماً لا، لأن دخول الصين إلى غياهب الشرق الاوسط وشمال افريقيا بدأ قبل أكثر من عقدين من الزمن عبر الاستثمارات الاقتصادية التي أحدثت أثراً كبيراً في سياسات تلك الدول وآلية التعامل مع الصين التي أصبحت بمثابة دولة عظمى تلجأ إليها عدد من الدول لشراء السلاح الذي تعجز عن شرائه من الدول الأوروبية والولايات المتحدة.

لذلك نرى المزيد من الضغوط الأميركية والصينية على دول الشرق الأوسط اليوم، فبعض الدول تشكك في مصداقية واشنطن في التعامل مع قضاياها ومشاكلها والبعض الآخر تربطه بها اتفاقيات لا يمكن فسخها بسهولة دون عواقب. ولما بات الشرق الأوسط يعيش وضعاً غير مستقر مقلقاً بين سندان واشنطن ومطرقة بيجنج، فإن التنافس سيبقى في تصاعد بين التننين المتمرد والمارد الأميركي. فعبر التاريخ شهدنا حروباً نشبت بين الدول بسبب الصراع بين الدول أو الإمبراطوريات الصاعدة والمتربعة على العرش العالمي، ما أدى إلى تغيير كبير في شكل الجغرافيا السياسي? إقليمياً ودولياً.

فمع توجه واشنطن نحو المحيطات الكبري كالباسيفيك والأطلنطي تتجه الصين نحو الشرق الأوسط إذ تعتبر بيجنج دول المنطقة حديقتها الخلفية بحكم الجغرافيا السياسية. لذلك تسعى تلك الدول إلى رسم خريطة طريق لها، تكون متوازنة لدرء مخاطر التنافس الدولي على رقعتها.