كتاب

آخ يا وجع القلب

رغم أن الموت هو من الحقائق الكبرى التي لا يجادل في وقوعها أحد، ورغم أننا نتعامل معه بصورة يومية، لكن وقعه يظل قاسياً مؤلماً، وهما قسوة وألم يزدادان كلما كان المتوفى قريباً منك، فكيف إذا كان المتوفى الزوجة التي تحتل كل قلبك وتشغل كل حياتك وتملؤها بالحب والحنان وبالنشاط والحيوية، مثلما كانت زوجتي المرحومة بإذن الله سميرة المغربي، التي رحلت قبل ثلاثة اسابيع تاركةً في قلبي وجعا قاتلا يكبر يوما بعد يوم، وفي حياتي فراغا موحشا يتمدد ليلة بعد ليلة، بعد أن كانت تملؤها سكينة ومودة ورحمة، فقد كانت نعمة الزوجة والصديق? ورفيقة الدرب التي تعين على نوائب الزمن قبل أن تسأل عن نعيم الحياة، ليس زهداً بها فقد كانت تحبها وتمارسها على أصولها وباتزان، خاصة في قراراتها سواء في شؤوننا العائلية أو في عملها العام، حيث كانت عضواً ناشطاً في أكثر من جمعية خيرية، ورغم أنها كانت تحصد أعلى الأصوات في انتخابات الجمعيات التي كانت تنشط فيها فقد كانت تفر من الرئاسة وتؤثر غيرها على نفسها، حرصاً منها أولاً على المصلحة العامة، وممارسة للإيثار الذي طبع حياتها فعاشت تحرص على العطاء أكثر من حرصها على الأخذ، حتى وهي تعاني، من ذلك أن صديقتها هيفاء الش?فات كتبت بعد وفاتها تقول «حادثة جميلة لا أنساها مع سميرة فقد ذهبت معها إلى المستشفى التخصصي لمرضها وفي الأثناء ذلك اتصل بها زوجها الأستاذ بلال، الذي كان يشارك في مؤتمر ببيروت، فطلبت مني أن أرد على الهاتف دون أن أشعره بشيء حتى لا يقلق ولا يكمل المؤتمر، لكن الأستاذ لم يصدقني فشعرت بذلك من حواري معه، فطلبت مني أن أعطيها الهاتف لتطمئنه رغم أنها كانت تعاني من ارتفاع الضغط والمغذي بيدها» هذه هي سميرة التي كان عطاؤها يتجلى في إيثارها، وفي نشاطها وتحفزها الدائم للعمل والمثابرة عليه، خاصة إذا كان هذا العمل بمد يد ا?عون لمسكين أو محتاج، فقد كانت متصدقة لم يطرق بابها أحد فعاد خائباً، لذلك لقبها من كان يعرفها بأم المساكين والمحتاجين، وقد ظلت يدها ممدودة للخير وصلة الرحم حتى فاضت روحها إلى بارئها.

خلال الأيام الماضية التي مرت على وفاتها بكاها الكثيرون، وكان أشد الناس حرقة عليها أصحاب الحاجات، فكيف بي أنا الذي فقد رفيقة درب لثلاثة عقود كانت فيها الزوجة الإنسانة بمعنى الكلمة، ترعى كل شؤون حياتي، حتى وهي في أشد لحظات مرضها قسوة كنت أحس بها في الكثير من الليالي وهي تتحامل على نفسها لتتفقد أحوالي، مثلما كانت حريصة على تفقد كل شؤون المحيطين بها، رغم أنها كانت تحتاج إلى من يرعاها ويتفقد شؤونها، لكن هذا شأن الزوجة الصالحة التي ترعى شؤون أسرتها، وهي رعاية لم يفوقها شيء إلا حرصها على عدم إغضابي وكيف تغضب من أ?بت وهي الحريصة على عدم إغضاب أحد أو مقاطعته، فقد كانت تحترم الجميع، فالاحترام هو جزء أساسي من حياتها، لذلك عاشت محترمة تحترم نفسها وتحترم غيرها، وظلت حتى آخر لحظة في حياتها شخصية قيادية رفيقة طيبة، لكنها إعصار في الدفاع عن الحق، قدمت لي في سيرتها ومسيرتها برهاناً ممتداً بأن المرأة هي سيدة الحياة وسرها لذلك فإن زوجتي سميرة وإن تركت دارها إلى دار الخلود فإنها مازالت ساكنة في قلبي الذي يتوجع عليها أناء الليل وأطراف النهار، لكننا لا نقول إلا ما يرضي الله ونسأل الله ونصلي له أن يجمعنا بها في الفردوس الأعلى.

وحتى يتحقق هذا الأمل سأظل أعاني من وجع القلب.. فآخ يا وجع القلب.

Bilal.tallWyahoo.com