تدور الكثير من النقاشات اليوم حول النظام العالمي والعلاقات الدولية بل وتشابكها في القرن الحادي والعشرين مستندة إلى المصالح والقيم لدعم ما يهم الدول المعنية. فمن المعروف أن القيم مرتبطة بالسياسة بشكل كبير بل إنها قد تصبح هي العرف السائد على القوانين الدبلوماسية العالمية والصراعات السياسية. وهنا نعود إلى نظرية النسبية في القيم والمعايير في السياسة الخارجية.
باتت تلك القيم والمعايير هي العقبة الكأداء أمام الحوار بين القوى المختلفة داخلياً وخارجياَ. ولما كان اهتمامنا منصباً في هذه المقالة على العلاقات الدولية، نرى أن هذه المعضلة تُفاقم ما يعتبره الكثيرون استعماراً غربياً للدول النامية عبر الدخول من بوابات إنسانية وتنموية واقتصادية وغيرها.
ويرى البعض الآخر أن تلك المواقف من السياسة الخارجية ما هي سوى سوء فهم دلالي لمفهوم العلاقات الدولية. ففي الوقت الذي يرى فيه البعض المساعدات الدولية للدول على أنها استعمار من نوع آخر وتدخل في شؤون الدول الداخلية، يرى فيه الكثيرون أنه سياسة عالمية معاصرة نابعة من القوة الناعمة للدول التي تسعى لتلميع سياساتها عالمياً.
وهنا يظهر جلياً الخلاف بين القوى الكبرى في الغرب من جانب وروسيا والصين من جانب آخر. ففي الوقت الذي ترى فيه الصين نفوذها في إفريقيا حماية لمصالحها ترى فيه الدول الغربية أن الصين تسعى لكسب نفوذ عسكري واقتصادي وسياسي في تلك الدول على حساب الدول الغربية. كل له وجهة نظر لكن ما أن تبدأ القيم والمعايير الجيوسياسية بالانحراف عن طبيعتها، ينتج الصدام بين الأطراف المعنية. وهو باختصار أن الغرب ضد الشرق والشرق ضد الغرب قيمياً وجيوسياسياً حتى وإن كانت المصالح والقيم واحدة.
بالطبع يلعب الإعلام الدور الترويجي للقيم والمعايير التي ينوي كل طرف تسويقها عالمياً وفق منهجية حرب المعلومات التي تشرف عليها أجهزة الاستخبارات في تلك الدول فما من خبر يذاع إلا ويكون للمخابرات العالمية يد فيه لمعرفة رد الفعل أو لإحداث ضجة ما في مكان ما. وهنا لا بد من الربط الوثيق بين الهويات والمعايير الغربية والشرقية لمعرفة ماهية المفاهيم والخطط التي تحاك للدول المغلوبة على أمرها.
خلقت التغييرات الأخيرة في العلاقات الدولية وضعاً يعتمد فيه سلوك الدولة بدرجة أقل على توزيع القوة وأكثر على القوى الناعمة للأفكار والقيم والمعايير.
وتعتبر القواعد مهمة لأنها تخدم الغرض من توجيه السلوك من خلال توفير دوافع للعمل. فقد يحدث مزيج من الأعراف الاجتماعية والعمل العقلاني لشرح إجراء معين تقوم به الدولة. وأحد هذه المعايير في السياسة الدولية، على سبيل المثال، هو أن استخدام أو حتى حيازة الأسلحة النووية وإن كانت تكتيكية فإن ذلك أمر غير مقبول. فهل يطبق هذا المعيار على الجميع؟ لماذا الاستثناءات وغض الطرف؟ لقد اقتربت وجهات النظر المؤسسية الواقعية والنيوليبرالية من المعايير والقيم من خلال نماذج عقلانية للتكلفة والفائدة لمصالح الدول المعنية في تلك الصراعات العالمية. ويميل الواقعيون إلى النظر إلى المعايير على أنها مبنية على أسس جيوسياسية تعكس المصالح الواسعة للدول القوية. بينما يمنح النيوليبراليون المعايير اهتماما أكبر من خلال عدسة عقلانية لحصاد مصالح الدول.
لذا، الحل للصراع الدولي يكمن بالابتعاد عن الأثرة والاستعلاء وسياسة الهيمنة وفرض الهويات والثقافات لما لذلك من تهديد للوجود الإنساني ومحو حضارتها وتوتير العلاقات الدولية.