في البداية أعترف أنني من مؤيدي العودة إلى قانون انتخاب عام 1989, المجلس الحادي عشر, الذي ما زال يتغنى به الكثير إلى يومنا هذا, ونتفق جميعا أن قانون (الصوت الواحد) كرس ثقافة الجهوية والمناطقية بشكل كبير, في حين أن قانون (القوائم المغلقة) كان يعاني من تشوهات كثيرة, وكان في فحواه شكلا من أشكال الصوت الواحد, لأن التنافس بين أعضاء الكتلة كان تنافسا غير شريف. وقد أفرزت تلك القوانين مجالس غير متجانسة, وكتلا نيابية هلامية مصلحية غير متجانسة, ليس لديها هوية فكرية, ونوابا يطغى عليهم العمل الفردي, ليس لديهم معرفة بال?مل التشريعي أوالرقابي، يفتقدون للرؤيا السياسية، ليس لديهم أية توجهات واضحة.
إنني بعد قراءة مسودة قانون الانتخاب الجديد المزمع عرضه على مجلس النواب هذه الأيام, تفاءلت باعتباره خطوة صحيحة إلى الأمام مستقبلا, إذا ما بني عليها مزيد من الانفتاح الديمقراطي, للوصول إلى حكومات برلمانية، رغم قناعتي الشخصية المسبقة بعيداً عن التأويلات المتعلقة بما يسمى (العدالة الإجتماعية)، فإن الإستثناءات المتعلقة بتخصيص المقاعد (شركس، مسيحيون، كوتا) التي وردت في القوانين السابقة فيها (شبهة دستورية), لمخالفتها نص المادة (6) من الدستور: «الأردنيون امام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اخت?فوا في العرق أو اللغة او الدين', (فلا اجتهاد في مورد النص). وبالعودة إلى مسودة مشروع القانون المقترح (النظام المختلط), فلقد تعددت الخيارات أمام الناخب وأعطى فرصة للأحزاب بشكل كبير في المشاركة بالحياة السياسية, من خلال تخصيص (41) مقعدا لها تحت مسمى (الدائرة الوطنية أو العامة), وتقسيم المملكة إلى (18) دائرة إنتخابية محلية, يخصص لها (97) مقعدا, منها (18) للمرأة, ليصبح المجموع الكلي (138) مقعدا نيابيا. والملفت للانتباه أن الأحزاب يمكنها أن تستفيد من ترشيح مناصريها بصفة مستقلة,من غير المنتسبين للحزب, ضمن الدوائ? المحلية والمقاعد المخصصة للنساء، مما يساهم في رفع حصيلة (الطيف الحزبي والسياسي) في المجلس إلى ما يقارب النصف, إضافة الى المستقلين الذين لديهم ميول تجاه تيار سياسي معين, وبالتالي سوف يؤدي ذلك إلى وجود كتل برلمانية أكثر نضوجا وتماسكا, يغلب عليها الطيف السياسي الواحد, مما ينعكس إيجابا على جودة العمل النيابي المؤسسي, بعيدا عن العمل الفردي, وسوف يدفع باقي النواب المستقلين الى تشكيل كتل نيابية موحدة أكثر إنسجاما, وبخاصة أن مسودة قانون الأحزاب الجديد الذي سوف يطرح بالتزامن مع مشروع قانون الإنتخاب, قد أزال كافة ا?عوائق التي يمكن أن تواجه الأحزاب في العمل والانتشار, رغم قناعتي الخاصة أن مشروعي قانوني الأحزاب والانتخاب المقترحة ستسهمان في دفع عجلة الأحزاب السياسية, وتوسيع قاعدة مشاركتها. إلا أن الأحزاب بحاجة إلى جهد كبير في إثبات النفس, وتغيير وجهة نظر الشارع تجاهها, وأن الخطوة الأولى تكمن فيما ذكره جلالة الملك في أوراقه النقاشية, وفي تصريحاته المستمرة؛ بأن الحل يكمن في (دمج) الأحزاب ضمن تيارات سياسية, يسار، وسط، يمين. وفي النهاية فإنني أتخوف من أن يقوم المجلس عند مناقشته للقانون بتعديلات تحت ضغط المصالح الضيقة, وتشو?ه هذا القانون.. فللنتظر ونرَ.
مستشار وأستاذ القانون الدولي العام