كتاب

جردة حساب.. وطن أم غنيمة؟

مع بداية العام الجديد لا بد من أن نتذكر أن نهاية عام وبداية آخر ليست أكثر من فرصة ومحطة لمراجعة الذات وتقييم مسيرة الحياة على مستوى الأفراد والجماعات والمجتمعات والدول..

وهي بالمحصلة لحظة حساب ومحاسبة، ومثلما أن الشركات على اختلاف أحجامها والتجار على كبر أو صغر تجارتهم يعدون في آخر العام موازناتهم المالية لمعرفة حجم أرباحهم وخسائرهم، فإن المطلوب منا كأفراد ومجتمعات أن نعد موازنة لارباحنا وخسائرنا من خلال معرفة انجازاتنا واخفاقاتنا، والاهم تقييم موقفنا الأخلاقي والإنساني، وهل أحسنا توظيف نعم الله علينا، وأول ذلك الوقت الذي هو أعمارنا، وحجم رحلتنا في هذه الحياة الدنيا، فهل أحسنا استثمار أوقاتنا بما يفيدنا ويفيد مجتمعاتنا، فها قد انقضى عام من رصيد عمر كل واحد منا، ولا أحد يدري كم بقي من رصيده؛ ساعات أم أيام أم أسابيع أم شهور أم سنوات، فلينوي كل منا أن يتدارك أخطاءه في تعامله مع رصيده من الزمن، وليحسن استغلاله بما يفيده ويفيد مجتمعه، لعله يكون رصيداً له يوم الحساب الأكبر وكشف الحساب الختامي بين يدي خالقه.

وعلى ذكر الوقت وحسن استثماره ليسأل كل واحد منا نفسه هل خطط لحياته ثم هل سعى لتنفيذ ما خطط له من خلال أخذه بالأسباب، فنحن أبناء حضارة (اعقل وتوكل)، وقد نهينا عن التواكل والتقاعس، بل لقد منعنا من التذرع بالعبادة حتى لا نعمل، فنحن أبناء حضارة الدين المعاملة، والمعاملة لا تكون إلا بالعمل الذي يتصف بالإخلاص والإتقان والصدق والأمانة وعدم الغش, لذلك كله طالما نادينا بضرورة أن يسيطر النظام والتنظيم على حياتنا كأفراد وكمجتمع، فقد عانى مجتمعنا كثيراً من الفوضى مثلما عانى من الكسل والتوكل والتواكل، ونظرة إلى ما يجري في شوارعنا تكشف لنا حجم الفوضى التي نعاني منها، كذلك عندما تكتشف أن ملايين الوافدين يعملون في بلدنا، ثم نشكو من ارتفاع البطالة بين شبابنا، فإن ذلك يؤشر إلى خلل في منظومتنا الثقافية والسلوكية والتعليمية، لابد من إصلاحه من خلال إعادة تنظيم هذه المنظومة.

وفي إطار مراجعتك لنفسك، وإعدادك لجردة حساب حياتك مع نهاية عام وبداية عام من عمرك اسأل نفسك أيهما كان أكثر: كلامك وأحلامك وأمانيك، أم عملك لتحقيق هذه الأماني والأحلام، ذلك أننا نعيش في مجتمع يحسن الثرثرة أكثر مما يحسن العمل والإنتاج، ويمارس نقد الآخرين دون أن يمارس نقداً ذاتياً لمعرفة عيوبه على المستوى الفردي والمستوى الجماعي.

واسأل نفسك أيضاً أيهما كسبت أكثر خلال العام الذي مضى أصدقاء أم أعداء، وكم مرة التمست عذرا لغيرك، ونحن نعيش أجواء البغضاء وغياب المودة والمحبة، واسأل نفسك أيضاً من الذي أساء لنفسه أكثر أنت أم الآخرون في مجتمع انتشر فيه الحسد والبغضاء والنميمة، غير أن السؤال الأهم هو أيهما أعطى للآخر أنت أم الوطن، في زمن صار فيه الوطن عند البعض مجرد غنيمة يبحث عن حصته فيها.

Bilal.tall@yahoo.com