ضرب العنف النيابي بقوة الجلسة الأولى من جلسات مناقشة تعديل الدستور، حيث تفنن السادة النواب في استعراض مهاراتهم القتالية، فاختلط الحابل بالنابل بشكل أساء للمؤسسة البرلمانية، وأثر سلبا على مصداقية مجلس النواب الذي يعاني من غياب للثقة الشعبية بأعضائه ومخرجات عمله.
وعلى الرغم من تكرار هذه الأحداث في الآونة الأخيرة، يصر مجلس النواب على تجاهل حقيقة أنه لا توجد لديه منظومة تشريعية واضحة تحكم سلوك أعضائه أثناء انعقاد الجلسات. فمدونة السلوك النيابي لعام 2015 بحاجة إلى تحديث، كونها لا تزال تعتبر لجنة النظام والسلوك المسؤولة عن تنفيذ نصوص المدونة، وهي اللجنة التي جرى إلغاؤها في عام 2019، وانتقل الاختصاص في النظر في مخالفات النواب لقواعد السلوك في المدونة إلى اللجنة القانونية.
أما الأحكام الناظمة لضبط جلسات المجلس كما وردت في النظام الداخلي لمجلس النواب، فهي ليست بالكفاءة التشريعية القادرة على فرض النظام وتسيير الجلسات. فصلاحيات رئيس المجلس في مواجهة العضو المخالف تقتصر فقط على منعه من الكلام وإخراجه من قاعة الجلسة وحرمانه من الاشتراك في أعمال المجلس بقية الجلسة. وقد يمتد هذا الحرمان تلقائيا إلى الجلسات الثلاث التالية إذا امتنع العضو المخالف عن تنفيذ قرارات الرئيس.
أما نتائج حرمان العضو من الاشتراك في جلسات المجلس، فقد قصرها النظام الداخلي على إعلان ملخص القرار في مركز الدائرة الانتخابية التي يمثلها العضو، مع إعطاء الحق للنائب المخالف أن يعتذر عما بدر عنه من تصرفات في أول جلسة تالية يجري عقدها، فيتوقف تنفيذ قرار الحرمان بحقه.
وفي مقابل هذه الإجراءات التي لا ترقى إلى اعتبارها عقوبات برلمانية حقيقية، جرى إدخال تعديل على النظام الداخلي لمجلس النواب في عام 2019 يعطي الحق لمجلس النواب بأن يصوت على تجميد عضوية كل من يسيء بالقول أو الفعل أو بحمل السلاح داخل المجلس المدة التي يراها مناسبة. فتحقق بذلك التفاوت الكبير في العقوبات البرلمانية من مجرد حرمان العضو المخالف من حضور الجلسات–مع إمكانية إلغاء هذا القرار بالاعتذار–إلى تجميد العضوية والفصل. فغاب مبدأ التناسب بين الفعل والعقوبة، والذي يشترط أن تتنوع الجزاءات التي يمكن فرضها على العضو المخالف.
إن النظام الداخلي لمجلس النواب لعام 1952 قد تضمن أحكاما أكثر تقدمية من النصوص الحالية فيما يتعلق بضبط جلسات المجلس وتقرير العقوبات البرلمانية على كل من يخالفها. فقد تضمنت المادة (63) منه مجموعة من العقوبات التي يمكن للمجلس إيقاعها على العضو المخالف، والتي تتمثل بتوجيه اللوم له، أو منعه من الكلام بقية الجلسة، أو إخراجه من قاعة الاجتماع وحرمانه من الاشتراك في بقية أعمال الجلسة، أو حرمانه من الاشتراك في أعمال المجلس مدة لا تزيد على شهر، فإن عاد العضو الذي وقع عليه هذا الجزاء إلى الاخلال بالنظام في الدورة ذاتها يتم حرمانه من الاشتراك في أعمال المجلس لمدة لا تزيد على شهرين.
كما عاقبت المادة (68) من النظام الداخلي القديم العضو الذي يتقرر إخراجه للمرة الثالثة في دور انعقاد واحد بالحرمان من الاشتراك في أعمال المجلس لثماني جلسات تلي الجلسة التي صدر بها القرار، دون أن يكون له الحق في طلب وقف تنفيذ العقوبة والاعتذار للمجلس.
إن الحاجة ماسة اليوم إلى أن يقوم مجلس النواب بتضمين نظامه الداخلي منظومة تشريعية واضحة تضبط سلوك أعضائه، ولا مانع لهذه الغاية من العودة إلى نصوص النظام الداخلي لمجلس النواب لعام 1952.
laith@lawyer.comِِ