تمثل مذكرات عمر لطفي الطيبة، وهو الجندي رقم 10 في القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، وابنه أديب عمر لطفي والصادرة مؤخراً عن مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي، أهمية كبيرة لتوثيق جانبٍ من تاريخنا العسكري والسياسي والاجتماعي..
فهذه المذكرات، تتحدث عن الجندي عمر لطفي والذي كان ضمن الكوكبة الأولى في جيشنا العربي، وهو من مواليد مدينة طرابلس الليبية عام 1882م، ويصف عائلته بالطيبة، وبأنهم من أشراف المدينة المنورة، قدموا مع الفاتحين أثناء فتوحات شمال إفريقيا واستقروا في ليبيا، وقد انضم إلى الجيش العثماني في مقتبل شبابه، وتدرج في الخدمة حتى أصبح من حرس الشرف للسلطان عبدالحميد ومرافقه باسطنبول، ثم نقل إلى العراق ثم دمشق والقاهرة والناصرة، كما شارك في الحرب العالمية الأولى.
أما صلته بالأردن، فقد كانت حين عُين مديراً لناحية الجيزة عام 1917م، والتي كانت مركزاً لتموين الجيش العثماني، وفي ذات العام التحق بالثورة العربية الكبرى، وأصبح ضابطاً في الجيش الفيصلي مع عددٍ كبيرٍ من الضباط العرب، وفيما بعد أصبح ضابطاً في الجيش العربي الأردني، وكان ضمن القوة العربية التي تولت مسؤولية الأمن الداخلي في شرقي الأردن.
أما ولده، وهو كاتب المذكرات، فقد ولد في دمشق عام 1918م، وترعرع في عمّان، وقد كتب مذكراته بشكلٍ موسعٍ وتحدث في مذكراته عن العائلات، الدراسة، التعليم، مورداً أسماء معلميه وبدايات تشكل العاصمة عمّان.
ولقد أسهبت المذكرات في وصف تأسيس الجيش العربي الأردني، وأدواره، ومشاركته في الحرب العالمية الثانية التي عدها نقطة تحول لتطور الجيش العربي وعصرنته.
ويؤكد ان الجيش العربي، كان له دور طليعي في مسرح عمليات الحرب العالمية الثانية بالعراق وسوريا، بوقوفه إلى جانب الحلفاء، ما لفت أنظار الحلفاء إليه لبسالته وشجاعته في المعارك التي شارك بها في العراق وطرد حكومة رشيد عالي الكيلاني المدعومة من ألمانيا، ويصف في مذكراته كيف وصل الجيش العربي إلى حدود إيران، ثم عاد إلى سوريا وطرد حكومة فيشي.
كما يصف، ويبين في مذكراته الدور الكبير الذي لعبه الجيش العربي الأردني، في معارك فلسطين عام 1948م، ومعاركه في القدس، والدور الكبير للمك المؤسس عبدالله الأول ابن الحسين، في إرساء بنيان الإمارة وإرساء الأمن بها.
إنّ هذه المذكرات، كتبت في منتصف السبعينات من القرن الماضي، وتتضمن رسائل أقدم، وهي تروى بأسلوب بسيطٍ وعفويٍ، ذلك أن بعض التفاصيل المذكورة فيها كتبت بالأساس بشكل عائلي على شكل رسائل، وقيمتها في أنّ من كتبها جندي عربي لم يكن لديه أيّ مصلحة سوى توثيق فترته، وتوثيق أحداثٍ مهمة، ومفصلية في تاريخنا الأردني المعاصر.
ويجيء نشر هذه المذكرات، بما تتضمنه من معلومات قيمة وأصيلة وجديدة، لم يكشف عنها من قبل، وكأحد مصادر دراسة تاريخنا الأردني، ووثيقة من التاريخ الهاشمي الأردني، في مناسبة عزيزةٍ على كل أردنيٍ وأردنية وهي احتفالات المملكة بالمئوية الأولى، ولإلقائها الضوء على تاريخ مؤسسة عزيزة وهي «الجيش العربي».
وإنّ الكتابة عن هذه المذكرات، تمثل فرصة، أيضاً، للدعوة إلى الاهتمام بشكلٍ أكبر بالوثيقة الوطنية بمفومها الواسع، لما تتضمنه من معلوماتٍ مهمة، إذ يبدو بأنّ الوثيقة الأجنبية، وسيرها، وأشكالها كافة، حازت على اهتمامٍ أكبر، فاليوم نحن مدعوون إلى العودة إلى وثائقنا الأردنية، لغناها، وروايتها التي تمثل جانباً من سيرتنا، ولما يمثله هذا التوجه من إنصافٍ للوطن، وضمن منهجية تاريخية تدرس المصادر والوثائق المتاحة كافة.