ورجعت الشتويه...
ما أن تتلبد الغيوم في كبد السماء تسوقها الرياح شرقا بهدى..حتى استجمع في مخيلتي كل الشتاءات القديمه بخلط من الحزن والفرح والآآآه.. اتذكر شتاءات الطفوله ومن كانوا حولنا واغلبهم اليوم في الدار الاخره...
مفردات الشتاء وحدها تمنحنا الدفء؛ الفروه الجاعد، صوبة الحطب..الاكلات الشعبيه القديمه وشيخها المفتول..
استذكر بيتنا القديم البسيط في اركانه ولكنه كبيييير في دفئه وحنانه، رغم عدم سعته لكن كان الوالدان رحمهما الله يوفران كل مستلزمات العيش الكريم فيه، هذا عدا عن التوازن النفسي والتربوي والامان الأسري الذي يسود بيتنا؛ صغارا نحترم الكبير وكبارا نحنو على الصغير.. والمظله والسقف لنا الوالدين وخاصه الوالده التي كانت حريصه على قضاء كل وقتها لنا بسبب الظروف التي تجبر الوالد على العمل والكد المتواصل خارج بلدتنا من اجل توفير سبل عيشنا الكريم.. وبالرغم من غيابه كان قريبا منا ونشعر انه في كل لحظه معنا، سر سعادتنا لان وجدانه وضميره ملامس لخواطرنا..لحنانه واهتمامه خاصه ونحن نعيش على امل فرحة اللقاء والهدايا...حضور والدي كان في كل لحظه تمر بهجه وعيد واي عيد!!
كانت الشتويه لنا موسم الخير والمواليد الجدد يوميا من الاغنام، فابتسامة والدتي الصباحيه تبشر بمواليد جدد، والفطور بالتاكيد حليب اللباء الاكله الشهيه المرغوبه للجميع
مساءا مع وميض سراج ضو نمره 4 والدوائر المتتاليه المتحركه والمتوهجه على سقف القصيب وخيال اجسامنا صور متحركه وفرقعة الجمر وهدير النار ورائحة الخبز عند تسخينه على موقد الحطب وشوي الحمص وقلي العدس..
على رأي أمهاتنا، ظبظبنا كل شيء ولا نفس! تجلس ونجلس حول الكانون والنقره نستمع الى تساقط حبات الخير على الارض بايقاع وتناغم على عزف صوت المزراب وكلمات وقصص والدتي التي كنا نسهو ونغفو من ترتيب حديثها في سرد الاحداث وانتقالها بين فصول القصه باسلوب مشوق جذاب يخطفنا النوم والاحلام السعيده لا ينغصها الا وقع قطرات الدلفه من الزوايا المختلفه للبيت تخترق السقف وتسقط على وجوهنا منبهه انه قادم خير توقظنا، ولكن النوم اذا حكم سلطان!! نشد اللحاف على وجوهنا ونرص اجسامنا الصغيره للعوده الى لذة النوم ودفء الفراش..
في اليوم التالي في انتظارنا ساعات عمل اجباريه كي نستمر وتستمر معنا دوام ونعمة لقمة العيش...
ما اصعب الصحو باكرا، نحاول ان نأخذ غفوه جديده ولكن !!! عصبية الوالده واصرارها على النهوض يجبرنا على #الشلع من الفراش وكل يتسلم مهمته...!! ولكن جمعة الفطور تنسينا لذة النوم ودفء الفراش.. ننطلق في يوم حافل بالاعمال الصعبه ولكن بطاقه ايجابيه وسعاده وحب للعمل مع تحمل للمسؤوليه...
والاجمل هو جمعة وسط النهار من قبل الاقارب والجيران والحديث حول الاغنام والمواليد الجدد، شدة المطر، كمية الحطب المتبقيه، الدلفه، اصلاح ثقب السقف كل هذه الهموم تبددها رشفة الشاي الذي كان فعلا يعيد للدماغ اتزانه ونشاطه..ضحك ولعب ومرح وفرح، موده، الفه، محبه وبساطه في كل شيء وشراكه في كل اشياءات الحياه حتى الخواطر والمشاعر تجبر بعضها بعضا..
رجعت الشتويه وراحت عادات لايمكن ان تعود!
ليل الشتاءطويييل.. ويقصر بحكايات والدتي الجميله عن جبينه ومحمد الشاطر وسنة الثلجه وسنة الجراد والهزة...عن سنين الغلال والمحل وغيرها
وللشتاء فصول وفترات والشتاء عادة يدوم 90 يوم هو موسم الشتاء كله يبدأ من تاريخ ٢٤/١٢......إلى ٢١/٣ بدء الربيع واجمل ايام العام في بلادنا...حيث ارتدت الأرض لونها الاخضر يطفو فوقه النوار والورد يتماوج مع نسمات صبا اثار الشجون !!
الفترة الاولى: تسمى وتدوم 40 (اربعين) يوما وتسمى المربعانية. وفيها مثل يقول:
المربعانية أما شمس بتسطح..أو سيول بتطفح..
اي إما شمس أو شتاء غزير وبخبرة الناس يميزون إن هلت على شتاء يدوم الشتاء طول أيامها.. والعكس صحيح
الفترة الثانية: وهي الخمسينية، وهي بدورها تنقسم الى اربع فترات متساوية، تحمل كل منها اسم سعد، علما بإنه لا يطلق على هذه الفترة اسم الخمسينية كما هو الحال بالنسبة للفترة الاولى (الاربعينية) و السعود(جمع سعد)هي:
· سعد الذابح.
· سعد بلع.
· سعد السعود.
· سعد الخبايا.
الفترة الاولى: وهي الاربعينية او (المربعنية) وتعاقب الفصول يعتمد على دوران الأرض حول الشمس وفصل الشتاء يبدأ حين تميل أشعة الشمس عن خط الاستواء باتجاه مدار الجدي معلنة بداية الشتاء في الشمال ونهايته في الجنوب
وتمتد من ظهر 23 كانون الاولى وحتى ظهر الحادي والثلاثين (31) من كانون الثاني ومدته 40 (اربعين يوماً) بالتمام والكمال. والمربعنية في الثقافة الأردنية هي العمود الفقري لفصل الشتاء، فصل الخير، حيت يتفاءل الناس بمحصول وفير في المواسم التالية، وخاصة موسم الزيتون والقمح الذي يعتبر عصب أقتصاد بلاد الشام عامة والأردن خاصة. كما يحرص الفلاح الاردني على ملء البئر بمياه المطر لاستخدامها في الصيف التالي، وتسهيل القنوات للآبار.
وبالعادة فان التفاؤل والفرح يبتعدان اذا ما طال الطقس المشمس والريح الشرقية الخالية من الرطوبة في فترة المربعينة بدل المطر، ولكنهم يتفاءلون بمثل شعبي يقول: الشرقية محراك للشتاء
مع قبول المزارع ببضعة ايام مشمسة متفرقة في هذه الفترة تسمح له بزيارة ارضه واصلاح ما سببته الامطار الجارفة، وجمع الحطب وجفت الزيتو استعداداً لليالي الماطرة القادمة الى غير ذلك من الاعمال التي يسعده القيام بها تحت شمس الشتاء.
كما ان الربيع والعشب ينموان بفعل اشعة الشمس الشتوية الدافئة في هذا الموسم، فتكتسي الارض باللون الاخضر، تزينها الزهور الحمراء والبنفسجية والصفراء والبيضاء هنا وهناك، بالرغم من ان هذا الموسم ليس بموسم الإزهار.
ويتصف طقس المربعنية بانه بارد وعاصف وشتوي، طوال فترة الإمطار، ويعتقد الكثير من المزارعين بان البرد في المربعنية له ايضاً تاثير ايجابي على المحصول الشجري في الموسم اللاحق. ويقال عن طول فترة الأمطار لزبة وجمعها لزبات وخلال المربعنية قد تدخل جبهات هوائية محملة.