كلما مررت من شارع بجانب كازية, صادفت (رجل الجركن).. وهو يظهر في الشتاء فقط, ومن النادر أن تجده في الصيف..
الأردن يمتاز بطيبة أهله, وكرمهم.. ويمتاز أيضاً برجالات (الجركن)... الذين يقاومون البرد والمطر, ويصرون على إحضار الكاز لمنازلهم.. حتى لو كان الجو عاصفاً, ماطراً, متعباً..
من صفات (رجل الجركن) أنه يرتدي دوماً شماغاً مهدباً, و(جاكيتاً شتوياً).. ويقف بشموخ على الرصيف منتظراً الباص أو أي وسيلة نقل, وغالباً ما يكون (الجركن) على يمينه مثل السلاح تماما في المراسم العسكرية فهو يحمل باليمين... وأحيانا يتبع (رجل الجركن) الحيلة مع الباصات القادمة, فهو يخفي (الجركن) خلف شجرة وحين يأتي الباص يقوم بإحضاره للصعود, وهو يتبع هذه الحيلة لأن نسبة كبيرة من (شوفيرية) الباصات ترفض أن يصعد (الجركن) إلى الباص, بحكم أنه يمثل.. مفخخة أو عبوة ناسفة, أو خطراً على الركاب, ناهيك عن رائحة الكاز التي تزكم?الأنوف..
(رجل الجركن) لديه ثقة عالية, وحين يصعد للباص يقوم (بنتع) الجركن.. بطريقة (الرباع الماهر).. ويضعه بجانب الكرسي, ويرفض الجلوس.. حتى لا تتسبب اهتزازت الباص بسقوطه, ومن قبيل الحرص, يضع على الغطاء.. (كيس بلاستيك) منعاً لتسرب الكاز, وعلى الفور يزيل الشماغ عن وجهه.. ويبدأ بتوزيع ابتساماته على الجالسين والجالسات..
أحياناً حين ترى شاربه, تشعر أنه ابتلع القليل من الكاز, أو قام بمسح شاربه بالكاز.. نتيجة اللمعان, وحين ترى عيونه تشاهد الثقة والأمل, وتشعر أنه يحمل وديعة مقدارها مليون دينار ويريد إيصالها للبنك, وأحياناً تشعر بأنه صاحب الباص.. فكلما توقف الباص, وهمت سيدة بالصعود بدأ بالترحيب بها, والصراخ على الجالسين بالقول: (قعدوا الأخت يا اخوان.. قعدوا الأخت يا نشامى)...
ولأن (الجركن) مهم, يقوم (باللز) عليه... وتثبيته بجانب الباب, ناهيك عن أنه يزاحم (الكونترول) على مكانه, ويحاول أن ينتج حديثاً عابراً مع (الكونترول)... ولكن الأخير, تزكم أنفه الرائحة ويبدأ بتفقد أماكن نزول الركاب.. ويهرب من حوارات مليئة برائحة الكاز...
(رجل الجركن).. حين أشاهد عناده وإصراره, صدقوني أني اشعر أن الوطن بخير.. فهنالك رجالات للمايكريفونات والتنظير, وهنالك رجالات (للجركنات) وميزة رجالات المايكريفونات... أنهم لو نتعوا (جركنا) واحدا فسيطوفون أوروبا كلها بحثاً عن مستشفيات تعالج (الديسك) بالليزر.. بالمقابل (رجل الجركن)... على استعداد لأن يطوف (كازيات) عمان كلها مشياً على الأقدام, لأجل أن يجد كازاً مضموناً, لا يتسبب بتلف (الفتيلة)..
لقد مارست هذه المهنة في شبابي, واتبعت نفس الحيلة, كنت أخفي (الجركن) خلف شجرة.. وياما سامحوني بالأجرة.
أنا أصلاً من مؤسسي (حزب الجركن)... وأخطط لإنشاء (جماعة الجركن).. يجب أن يكون لنا بعض الحضور في المشهد, من الممكن أن نعقد اجتماعاً ونعلن عن هيئة تاسيسية للجماعة.. ومن الممكن أن يكون الشعار (جركن كاز).. ومن الممكن وعلى غرار الحزب الشيوعي أن نحمل (جركناتنا) في الإجتماع وليس مناجلنا..
انتظروا حزب (الجركن) فهو قادم للمشهد, وباكتساح كامل... وربما ذات يوم يقومون بمناداتي: الرفيق المؤسس (الجركن) عبدالهادي راجي المجالي...
