تكريماً للثقافة الأردنية والعربية ولروح هشام المعايطة صاحب مكتبة خزانة الجاحظ الذي توفي في حادث سير مؤلم عام 2018 فقد تم إعادة تأهيل وتحديث هذه الخزانة التراثية بكتبها ومخطوطاتها العربية النادرة، وذلك بدعم من جامعة الزيتونة الأردنية في منتصف هذه السنة 2021، حيث تم قبل شهور افتتاحها بعد تجديدها بشكل جميل وبحضور وزير الثقافة آنذاك علي العايد.
ممدوح المعايطة
قديماً في منتصف عقد الستينيات كنت وبعض أقراني من الفتيان نذهب سوية الى قاع المدينة في عمان لنصل الى شارع الملك فيصل الاول.. حيث كان هناك في احدى الدخلات المؤدية الى شارع الشابسوغ بائع كتب قديمة اطلق عليه لقب «الجاحظ» وهو المعروف بخزانة كتبه الحائطية الشاسعة.. والتي كانت تحوي جل انواع الكتب الثقافية وبالذات قصص وروايات الفتيان.. التي كنا نقبل على شرائها وقراءتها بشغف وحب شديدين.
وهذا الجاحظ هو شيخ مُلْتحٍ يعتمر الكوفية وقد كان صاحب شخصية دمثة بحضور ثقافته المتنوعة الواسعة.. حتى انه كان على استعداد للحديث عن اي كتاب ولو بفكرة سريعة اثناء سؤالك او تصفحك لهذا الكتاب او غيره.. وكانت كتبه تجذب القراء ومثقفي عمان حتى باتت هذه الخزانة جزءا هاما ومعروفا من تاريخ عمان المعاصر.
والحقيقة ان اسم «الجاحظ» ما هو إلا لقب ثقافي التصق بالسيد «ممدوح المعايطة» صاحب خزانة الكتب تلك.. التي كان اسسها سابقا في مدينة القدس.
والحكاية ان والد ممدوح وهو خليل المعايطة والذي استشهد في القدس عام 1947م كان قد درس وتعلم وتثقف على أيدي العلماء والصوفيين.. وكان ممن اهتم بالمخطوطات والكتب التي كان يجمعها من هنا وهناك خوف الاهمال والضياع.
والمثقف السيد ممدوح المعايطة » الجاحظ» كان من قدماء المجاهدين ايضا، فقد ساقه في حرب 1948، وبعدها افتتح خزانة كتبه في القدس.. حيث كان يقرأ كثيرا ويثقف نفسه جيدا بكتب التراث العربي القديم..لأنه كان هاويا محبا للكتب والثقافة اكثر منه تاجراً للكتب يجري وراء الربح السريع.. ولم يكن تعليمه الرسمي الا للصف السادس الابتدائي فقط.. رغم انه وفيما بعد اتقن عدة لغات غير العربية منها الانجليزية والتركية.
ورجوعا الى العقود الماضية المنصرمة فقد تنقلت مكتبة خزانة الجاحظ الجدارية هذه في عدة اماكن في عمان.. حيث كانت في كل مرة تتعرض لهجمات الازالة والتنقل القسري من مكان الى اخر.
في عمَّان بدأت هذه الخزانة في دخلة البنك العربي ثم في دخلة درج الشابسوغ ثم الى حائط خلفي بالقرب من مكتبة امانة عمان الكبرى في شارع الهاشمي ثم الى سور آثار سبيل الحوريات، حتى استقر بها المقام اخيرا الى كشك في الساحة المقابلة للبريد المركزي الاردني في اول شارع الامير محمد الآن.
هشام المعايطة
اما عن فضل هذه الخزانة او المكتبة التي يتوارثها ابناء المعايطة ابا عن جد فقد ادهشنا ابن ممدوح المعايطة وهو السيد «هشام المعايطة» قديماً قبل وفاته بهذه المعلومات المختصرة وهي:
- لقد زودت خزانة الجاحظ مكتبة الجامعة الاردنية وجامعة آل البيت بالعديد من المخطوطات القديمة والكتب التراثية النادرة.
- ما زالت الخزانة او المكتبة او الكشك تحتفظ بمجمل الكتب المدرسية التي صدرت في فلسطين والاردن منذ الثلاثينيات وما قبل ذلك في العهد العثماني.
- هناك نسخ عديدة وقديمة جدا لأطلس العالم طباعة لندن عام 1948، ولكنها غير معروضة للبيع إلا للدارسين والباحثين الذين يحتاجون اليها.. وتوجد ايضا كميات جيدة من انواع مختلفة من الكتب الانجليزية القديمة النادرة.
- وان اكثر رواد وزبائن الجاحظ هم من المثقفين والاكاديميين من الاردن ومن عدة دول عربية محيطة وبعيدة.
- وخزانة الجاحظ تعتبر اول مكتبة في عمان تقدم خدمة الإعارة للجمهور قبل مكتبة الامانة العامة، وذلك مقابل مبلغ رمزي زهيد ربما كان لا يتجاوز «القرش قديماً» بسبب ندرة الكتاب وارتفاع ثمنه قديما في بداية الخمسينيات.
- ومرت فترات على مكتبة الجاحظ–الخزانة–حيث كانت تداوم لمدة 24 ساعة ليلا نهارا..حيث الشيخ ممدوح رحمه الله وابناؤه الثلاثة يساعدونه بالتناوب في هذه المكتبة او خزانة الكتب الشعبية والفريدة من نوعها في عمان والاردن.
165عاماً مع خزانة الجاحظ
ومما ذكره لنا قديماً أحد أفراد آل المعايطة وهو السيد «منيب عمران المعايطة» حيث قال:
تأسست مكتبة خزانة الجاحظ عام 1856 في باب العمود بمدينة القدس على يد المرحوم » سلمان محمد مطلق المعايطة».
وتولى المكتبة بعد ذلك المرحوم خليل سلمان محمد مطلق المعايطة، وقد تم حرق المكتبة سنة 1947- 1948على يد العصابات الصهيونية.
ثم عادت العائلة الى الى موطنها في قرية أدر- محافظة الكرك، وعمل خليل سائقاً في حكومة الكرك آنذاك.
بعد ذلك صمم ابنه ممدوح خليل المعايطة على الرجوع للقدس وإعادة إحياء مكتبة خزانة الجاحظ بعد إصابته بلغم أثناء تأديته واجبه العسكري في الجيش العربي الاردني دفاعاً عن فلسطين، حيث فقد إحدى قدميه.
وبعد العام 1967 تم نقل المكتبة و إعادة تأسيسها في عمان، حيث أنشأ ممدوح المعايطة خزانات حديدية لكتبه متنقلاً في عدة أماكن:
أولاً في دخلة من دخلات شارع الرضا المؤدية الى سرفيس العبدلى وسوق الذهب، ثم عند قرب المدرج الروماني، ثم بجانب آثار سبيل الحوريات، ثم أخيراً عند ساحة البريد قرب مطعم هاشم.
وكان يتناوب على ادارة مكتبة خزانة الجاحظ والتي تظل مفتوحة طوال اليوم أبناء المرحوم الشاعر والمثقف الكبير ممدوح المعايطة، الأبناء هشام ومحمد وحمزة وهيثم، وبعض الأحفاد.
وكان ممدوح المعايطة والذي أسس هذه المكتبة التراثية والنادرة في كتبها في عمان قد توفي في العام 1993، وله من الأبناء ثمانية وهم: طلعت وعلي وابراهيم و خليل... وما تم ذكرهم في السطور السابقة.
أما هذه الأيام فإن من يُدير هذه الخزانة فهو الشاب شاهين المعايطة الإبن الأكبر للمرحوم هشام المعايطة.
