كتاب

أوسعناهم سباً وساروا بالإبل

يقال إنه في قديم الزمان, كان هناك أعرابي يرعى الإبل, فهجم عليه اللصوص وأخذوا منه الإبل ولم يستطع مقاومتهم, فلما بعدوا عنه اعتلى (أكمة) وأخذ يسبهم أقبح السباب., ثم رجع إلى قومه فسألوه عن الإبل, واين هي؟ فقال: «أخذها اللصوص ولكنني لم أسكت, فلقد أوسعتهم سباً وساروا بالإبل.

الغريب أن حال هذا الأعرابي بذاك الزمن, يشبه حالنا اليوم في تعاملنا وفي علاقاتنا مع بعضنا البعض, سواء كان ذلك على المستوى الشخصي في علاقاتنا الاجتماعية, أو على المستوى الرسمي في علاقاتنا كمواطنين مع الجهات الرسمية, سواء تعلق الأمر بالحكومة أو حتى بمجلس النواب. فانعدام الثقة والاتهام حالة دائمة, فالحكومة في نظر المواطنين دائماً متهمة, حتى يثبت العكس, بل وفي كثير من الأحيان حتى وإن ثبت العكس, تبقى الحكومة في دائرة الشك والتخوين, وكذلك الحال لا يختلف فيما يتعلق بمجلس النواب. فالسمة السائدة في نظرة المواطن تجاه أية قرارات كل منهما هي التشكيك والاتهامات حتى أصبحت حالة مستمرة ومزمنة!!. فيبقى السؤال ما الذي أوصلنا إلى هذه الحالة؟, الجواب يكمن في أمرين: الأمر الأول والأهم هو الخلل في ميزان الحقوق والواجبات, فطالما يشعر المواطن أن هناك عدم مساواة وعدل بين المواطنين, في إعطائهم حقوقهم إلا بالواسطة والمحسوبية, وأن هناك فساداً مالياً وإدارياً, وتقصيراً في تقديم الخدمات, فلا بد من أن ينعكس ذلك على المواطن في التهرب من أداء واجباته, والتحايل بكل الطرق المتاحة.

أما الأمر الثاني فهو انعكاس ونتيجة طبيعية للحالة غير الصحية في العلاقة بين الطرفين, ألا وهي حالة مزمنة من انعدام الثقة بين الطرفين. فالحكومات تنظر للمواطن بأنه متهم حتى يثبت عكس ذلك, والمواطن ينظر إلى الحكومة بأنها غير عادلة وتتجاوز عليه بما هو ليس حق, حتى وإن ثبت عكس ذلك, وهذه الحالة من التشكيك والتخوين انعكست أيضاً على تشريعاتنا, لا سيما فيما يتعلق بالقوانين والأنظمة التي يكلف بها المواطن بتأدية الواجبات المالية والخدماتية المترتبة عليه مثل: الضرائب والرسوم والمخالفات، فالمواطن يبحث عن أية طريقة للتحايل على القانون, وفي المقابل تتشدد الحكومة في تعديل النصوص التشريعية, لمنع هذه التجاوزات. ويعود المواطن للبحث عن طرق جديدة للتهرب منها, وهكذا دواليك, بل حتى في هذه أيضاً يخرج الفساد رأسه من جديد, سواء كان مالياً أو إدارياً, على شكل رشوة أومحسوبية أو واسطة, وحتى نكون أكثر إنصافاً, فان المسؤولية في هذه الحالة, تقع على عاتق الطرفين (الفاسد والمفسد).

ورغم تجريم الفساد فإن الحاجة الى تغليظ العقوبات أصبحت ضرورة ملحة, وكذلك تشديد الرقابة على مؤسسات الدولة, فمن أمن العقاب أساء الأدب.

لقد دعا جلالة الملك في أكثر من مناسبة إلى ضرورة الإصلاح, ومحاربة الفساد المالي والإداري, بل إن جلالته أكد على أن الإصلاح السياسي مرتبط بالإصلاح الاقتصادي والإداري, فالإصلاح وحدة واحدة لا تتجزأ.. وللحديث بقية..