شارع الأمير محمد من الشوارع القديمة والعريقة بوسط البلد في عمان، وهذا الشارع يبدأ من عند مبنى البريد المعروف، مروراً بمدارس سمير الرفاعي، ثم صعوداً حتى الوصول الى الدوار الثالث في جبل عمان.. وعُرف هذا الشارع قديماً بتسميات منها: شارع البريد وشارع وادي السير وطريق العزيزية.
وعند بداية شارع الأمير محمد نقف ونتأمل في هذا المبنى القديم للبريد الاردني؛ حيث حجارته الهندسية اللافتة للنظر والذي بدأ بناؤه في العام (1939).. وفي أيامنا الحاضرة تقلص مبنى البريد وأصبح مدخله الرئيسي من شارع طلوع سرفيس جبل اللويبدة.. وأصبحت واجهته الرئيسية كمحلات تجارية!!.
عرار الشاعر الشهير:
وعلى ذمة بعض المعارف أكد بعضهم وحسب اطلاعه الثقافي اذ قيل: ان الشاعر عرار مصطفى وهبي التل كان يجلس على درج البريد في الاربعينيات ويهيم مع نفسه حيث يبدأ بالهمس وبترديد بعض ابيات شعرية رومانسية اشتهر انه يحبها.
وقيل ايضا ان القاص محمد سعيد الجنيدي كان يهيم ايضا بمنطقة البريد وهذا الشارع حيث يظل يكسدر من عند اول البريد وحتى مقهى الاردن ذهاباً واياباً ينظر الى المارة ويفكر في مواضيع قصصية وروائية يضمنها ابداعاته الفنية تلك.
محلات خاصة:
وفي محيط منطقة البريد وجدت منذ القديم في الثلاثينيات والاربعينيات عدة محال ومتاجر كانت حديثة ومتخصصة في سلعها وخدماتها مثل المحلات التالية:
(دمياني للنظارات) لصاحبه جون دمياني وكان الصانع الخاص لنظارات المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال، كذلك (مكتبة الاستقلال) العريقة والتي كانت تتعامل ببيع الاقلام والدفاتر والكتب وزبائنها الدائمين من المشاهير من ساسة ومثقفي وطلاب عمان، و(محلات كليوبترا) لحداد وشعشاعة والتي تخصصت بعرض الملابس الجاهزة المستوردة من دول اجنبية مع ادوات التجميل والحرامات والشراشف والسجاد حتى العطور الشهيرة التي كانت سائدة وفخمة آنذاك من ماركات عالمية اليزابيث آردن وكريستيان ديور، ثم (محلات الدباس) الخاصة ببيع الأزرار وكلف الخياطة النسائية لأصحابها إلياس وأنضوني.
أول محل لبيع الزهور:
وفي الساحة شبه الدائرية قبالة البريد كان يقع بنك الامة والذي حلّ محله البنك العقاري، والان مكانهما أُقيم مقهى العنبر الحديث والجميل هذه الايام.. ومن تحت بنك الامة كان يوجد المحل الوحيد في عمان قديماً لبيع الأزهار والورود الطازجة والنضرة لصاحبه "ابو الحافظ بازيان".. وفي تلك الساحة البسيطة كانت تقام في الخمسينيات والستينيات افراح اعياد الاستقلال الاردني على نغمات الموسيقى والناي ودبكات الاردنيين من مواطنين وعسكريين.
خزانة الجاحظ للكتب:
وفي هذه الايام يُقام في وسط هذه الساحة كشك خزانة الجاحظ هذه المكتبة الصغيرة, ولكنها الكبيرة في تخصصها ببيع الكتب التراثية النادرة وايضا الشعبية المستعملة وغيرها, حيث هذا الكشك يُزين المكان من كل الجهات..ومؤخراً تم جديد كشك الخزانة بشكل أوسع وأفخم.
وفي محيط خزانة الجاحظ هناك العديد من محلات بيع الـ(سي دي) وال (دي في دي) التي انتشرت وتكاثرت في هذه المنطقة بجانب البريد وقبالته.. وكذلك محلات بيع التحف والانتيكات التراثية الجميلة بعد ان تغيرت استعمالات بعض المحلات.. مثل ستوديو لندن للتصوير الفوتوغرافي الذي تحول لبيع اقراص الـ(سي دي).
ونتذكر ايضا اقدم محل خياطة (عقروق) للملابس الرجالية والطرابيش.. وبجانب درج الاردن او درج سينما الاردن والتي عُرفت فيما بعد بسينما فرساي هناك دخلة تراثية تقود الى الطابق الثاني الشاسع جداً حيث (مقهى جفرا) ذي النكهة والديكورات الفلكلورية والجو الفني والثقافي وصاحب الشرفة السماوية الواسعة التي تطل على شارع الأمير محمد.
وفي تلك المنطقة والمحيط القريب منها توجد حوالي (8) مقاهٍ منها العادي جداً ومنها الراقي التراثي الفني.. وبذلك فان المنطقة المحيطة والقريبة من البريد تتميز بشكل كبير بانها منطقة المقاهي التراثية واقراص الافلام السينمائية والمكتبات.
ونتابع المسير مبتعدين قليلاً عن مقهى جفرا والبريد لنصادف امامنا مبنىً ضخماً وعريقاً له اقواس حجرية مذهلة التصميم وقديمة وهذا المكان هو (الصالون الاخضر) المتخصص ببيع الستائر والاقمشة والسجاد.. وكان هذا المعمار المدهش قد صممه قديماً المهندس الشهير فواز آل مهنا وهو اول مهندس لبلدية عمان في بداية القرن الماضي.
مكتبات قديمة:
وفي محيط الصالون الاخضر توجد ثلاث مكتبات قديمة وشهيرة منها اولا المكتبة السعدية حيث كان سامي البوري اول من قام بتوزيع الجرائد اليومية على باعة الصحف.. كذلك بيع واستيراد بعض المجلات اللبنانية وكذلك بعض الاجنبية الى عمان.
وهناك مكتبة العلماء والتي كانت قديما متخصصة بتصوير وتوزيع البطاقات البريدية (كروت المعايدة والمناسبات) حيث الصور الفوتوغرافية الملونة والجميلة لمناطق الاردن السياحية والاثرية.
وايضا مكتبة الاقصى والتي تقع على الطابق الثاني ومن فوقها «مسجد قارة» القديم في الطابق الثالث قبالة الصالون الاخضر تقريباً وقرب مكتبة البوري..وكانت هناك كذلك قرب البريد مكتبة عمان لصاحبه الكاتب الراحل اسامة شعشاعة.. ومكتبة الاستقلال التي أغلقت حديثاً.
وبجانب الصالون الاخضر دخلة تقود الى مقهى الاردن القديم والذي ناهز عمره اكثر من ستين عاماً اذ انه يقع على الطابق الثاني فوق محلات تجارية.. وللمقهى صالتان داخلية واسعة واخرى خارجية كبيرة فيها معرش من القصب الجميل واحواض الازهار الملونة والهواء اللطيف والمكان الشاسع جداً الذي يطل على شارع الأمير محمد وعلى سفح وبيوت جبل اللويبدة المقابل.
مقهى الأردن للأدباء:
وفي هذا المقهى المتميز بالهدوء والسكينة والجمال وعدم الازدحام وجد العديد من المثقفين ومنذ عشرات السنين الماضية وحتى الان ملاذهم الرائع في الجلوس في قاعاته وبالذات الصيفية يتجاذبون اطراف الحديث في جلسات ثقافية ادبية فنية ممتعة.. فقد كان ومنذ سبعينيات القرن الماضي يرتاد هذا المقهى كل من الادباء:
أمجد ناصر وميشيل النميري وخليل السواحري والياس فركوح وقاسم توفيق وناهض حتر وعريب الرنتاوي ومنذر رشراش وغسان زقطان وكاتب هذه السطور، واسماء كثيرة اخرى ما زالت تتعامل بالشأن الفني والثقافي وترتاد هذا المقهى العريق حتى الآن مثل: حسين دعسة وزياد عساف وناجح حسن وزهير زقطان وغيرهم.
بيت الفن الاردني:
ونذهب في عمق شارع الأمير محمد لنصل الى مبنى (بيت الفن الاردني) المتميز بجمالية بنائه الحجري من الخارج ومن الداخل حيث قاعات متخصصة لتاريخ الفنون في الاردن منذ القديم مثل: الفن الموسيقي والغنائي والاذاعي والمسرحي والتشكيلي والتراثي والاثواب المطرزة وحياة الريف والبادية.
ويؤم هذا المكان (المتحف) العديد من الوفود المحلية من طلاب جامعات والوفود السياحية والسياسية والفنية الاجنبية.. وهذا المكان كان قديماً في الاساس بيت لصاحبه عاهد بيك السخن والذي تم بناؤه في بداية الثلاثينيات من القرن المنصرم ثم تحول البناء الى مدرسة بنات حكومية" مدرسة الزهراء" ثم الى بيت للفن قبل حوالي (20) عاماً.
ونواصل المسير في شارع الأمير محمد حيث نلاحظ انفسنا اننا نسير في وادٍ يفصل ما بين جبلين هما جبل اللويبدة الى اليمين وجبل عمان وحي الملفوف الى جهة اليسار والعديد من الادراج الحجرية التي تصعد الى هذين الجبلين العريقين في قدمهما.
مقهى أم كلثوم:
ثم نصل في تقدمنا في الشارع الى مدارس سمير الرفاعي للطلاب والطالبات، حيث ان سمير الرفاعي كان احد رؤساء الوزارات الاردنية قديماً في فترة الخمسينيات، ومن عند المدرسة نستمر بالمسير في هذا الشارع الذي يُصبح متصاعداً (طلوع) نحو الدوار الثالث.. وقبل ان نصل اليه نشاهد المقهى الحديث " مقهى أم كلثوم" الجميل.
عمارة البرج:
ثم العمارة الاولى في عمان والتي كانت تعتبر اعلى عمارة او برج في عمان في السبعينيات وهي عمارة البرج.. وكان من تحتها قبل نحو (20) عاماً سينما ضخمة جداً هي سينما فيلادلفيا والتي أُغلقت هذه لايام. ومقابل هذه العمارة جهة اليمين استحدثت قبل سنة او سنتين عدة مقاهٍ دولية شعبية عربية جميلة بكراسيها القش والزان والخيزران الجميل مع الخدمة والنظافة الرائعة يرتادها نخبة من اهل عمان الباحثين عن الاصالة والتراث والهدوء.
و نقترب من الدوار الثالث.. لكن قبل ذلك نشاهد العديد من محلات الملابس النسائية والرجالية الفخمة ومحل لبيع الآلات الموسيقية, ثم محل كمتحف للانتيكا والنحاسيات التراثية القديمة.. ثم نصل الى الدوار الثالث في جبل عمان والذي أزيل وأقيمت مكانه التقاطعات والانفاق لسير السيارات.