بالرغم من الحديث المتكرر عن إصلاح الإدارة العامة في الأردن, باعتبار أن الإصلاح الإداري هو المدخل الحقيقي لأي إصلاح في وطننا, فإن واقع الحال يقول إن الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ، وان الترهل الإداري يزداد تضخماً، حتى صارت مراجعة المواطن لدائرة حكومية نوعاً من أنواع العذاب، ناهيك عن ضياع الوقت المصحوب في كثير من الأحيان بضياع معاملته نتيجة إهمال هذا الموظف أو ذاك.
كثيرة هي الاختلالات التي تعاني منها الإدارة الأردنية وتحتاج إلى إصلاح، أولها ضرورة تخليص الإدارة الأردنية من عيوب القرار الفردي السائد فيها الآن, في ظل تركيز الصلاحيات بيد المسؤول الأول في الوزارة أو الدائرة..
وبدرجة أهمية توزيع الصلاحيات والمسؤوليات فإنه لا بد من إحياء أخلاقيات الإدارة، وأهمها نظافة اليد, والتحلّي بالعفة فهذه المفاهيم هي وسيلتنا للحد من ظاهرة الرشوة وغيرها من مظاهر الفساد التي تنتشر في الكثير من مرافق الدولة.
كما أن من أولويات الإصلاح الإداري المطلوب أن يتم تحديد أهداف وأدوار كل مؤسسة من مؤسسات الدولة ودوائرها, لأن من أسباب معاناة المواطن أن أهداف وادوار الكثير من مؤسسات الدولة غير واضحة, وغير محددة, بالإضافة إلى التداخل في الأهداف والصلاحيات بين الكثير من الوزارات والمؤسسات, لأن استحداث بعض الدوائر والمؤسسات تم دون دراسة كافية, حتى صار للكثير من الوزارات والدوائر من هيئات مؤسسات موازية تنازعها الصلاحيات، ما يعني هدرا في الوقت والجهد والمال، وتداخلا في الصلاحيات، يرهق المواطن ويعطل الانتاج ويزيد الانفاق.
ومن آفات الادارة العامة الاردنية التي لا بد من إصلاحها لانها آفة تزيد الأمر سوءاً، آفة عدم الاستقرار التشريعي للكثير من الجوانب الإدارية في بلدنا.
لقد زاد من النتائج السلبية لذلك كله غياب الاستراتيجية المتكاملة للإدارة الأردنية وتنميتها وتطويرها.
كذلك فإنه لا تستقيم عملية اصلاح اداري ان لم تقم بالتأكيد على مفاهيم الإتقان والاختصاص, وترسيخ مفهوم ان الموظف العام خادم للشعب وليس سيداً له, وهو المفهوم الذي صار سائداً في الإدارة الأردنية, بفعل الروتين وكثرة التوقيعات على المعاملة, وغياب الثقة بين المواطن والمسؤول.
وفي إطار التأكيد على مفاهيم الإتقان فإنه لا بد من تدريب وتأهيل كل موظف من موظفي الدولة بواجبات وظيفته وأطرها القانونية, حتى لا يظل المواطن يدفع ثمن اخطاء الموظفين بسبب جهلهم بالقوانين والأنظمة التي تحكم عملهم, وبالتالي فإن المطلوب هو إنقاذ المواطن من ان يظل فريسة لتضارب اجتهادات الموظفين.
كذلك لا بد من ترسيخ مفهوم مبدأ تكافؤ الفرص بين العاملين في أجهزة الدولة وإلى تفعيل مبدأ الثواب والعقاب بحق الموظف الذي يخطئ بعمله أو يؤخره, لأن غياب المساءلة من أهم أسباب الترهل الإداري الذي يعاني منه المواطن.
لقد صار الإصلاح الإداري الشامل في الأردن ضرورة ملحّة لوقف الفساد والانهيار في الإدارة العامة للدولة, وما يجلبه ذلك من مخاطر على الوطن والمواطن. وبدون هذا الإصلاح لا سبيل إلى إصلاح سائر مكونات الدولة, وخاصة الاقتصاد الذي بذلنا خلال السنوات الماضية جهوداً مضنية لإصلاحه دون جدوى, لان أول أسباب إخفاق الإصلاح الاقتصادي في بلدنا, التأثير السلبي للبيروقراطية على الاقتصاد الأردني, خاصة لجانب جذب الاستثمار.
Bilal.tall@yahoo.com