كتاب

من يقف وراء التضخم العالمي الحالي؟

هناك عدة تساؤلات حول الأسباب الحقيقية التي تكمن وراء التضخم العالمي الحالي الذي يأتي نتيجة لتغير أنواع الطلب على السلع والخدمات عقب جائحة كورونا. هناك عدة أسباب لهذه الظاهرة يمكن إيجازها في أن أحجام الاقتصادات العالمية الرئيسة من حيث الناتج المحلي الإجمالي ما زالت دون الاتجاه العام الذي كانت عليه قبل الوباء، وهذا يعني تدهور أسواق العمل وتعطل عجلة الإنتاج وارتفاع الأسعار.

ولعل أهم الأسباب التي تقف وراء التضخم هي الاختناقات في الأسواق من حيث تعطل سلاسل الإمداد بسبب تأخر المناولة في الموانئ الرئيسة في العالم وإغلاق بعض المصانع وعدم توافر الرقائق الالكترونية التي تستخدم في الحواسيب والمعدات الثقيلة في الموانئ.

منذ العام ٢٠٢٠، اختلف الطلب العالمي على السلع والخدمات إذ أصبح التركيز أكثر على شراء السلع المعمرة لا الاستهلاكية، وهذا ما خلق ضغطا كبيرا على الموانئ وشبكات النقل، ما دفع أسعار الكثير من السلع إلى الارتفاع. لذلك فإن التغير في الطلب بسبب الوباء هو الذي يقف وراء التضخم الحالي.

تقف البنوك المركزية الرئيسة في العالم في حيرة من أمرها في مواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة لأن رفع أسعار الفائدة الآن يمكن أن يوجّه ضربة للتعافي الاقتصادي بعد فترة الركود التي تسببت فيها الجائحة.

وإذا لم يتم إيجاد حلول عالمية لمعضلة التضخم، فإنه سيتحول إلى مارد لا يمكن السيطرة عليه. فقد تحدث جيروم بأول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، أن اقتصاد بلاده بدأ يتعافى من حالة الركود التي تسبب فيها الوباء لكن ما هو ظاهر للعيان اليوم أن شبح التضخم يخيم على الاقتصاد الأميركي ويهدد بتقويض كل المؤشرات الإيجابية المسجلة حتى الآن. فقد أدى ارتفاع تكاليف الطاقة وزيادة الاستهلاك مقابل نقص العرض إلى ارتفاع معدل التضخم السنوي في الولايات المتحدة إلى ٦.٢ بالمائة، وهو مستوى قياسي لم تشهده الولايات المتحدة منذ أ?ثر من ثلاثة عقود.

تعود بعض عوامل التضخم ومشاكل سلسلة التوريد العالمية مباشرة إلى الصين التي تعد أكبر مصدّر في العالم وتستأثر بما يقارب ٣٣ بالمائة من إجمالي الصناعات العالمية، لذا فمن الطبيعي أن يكون لنقص الطاقة ومعضلات الشحن آثار غير مباشرة عالمية. فقد ارتفع معدل التضخم السنوي في الصين إلى ٢ بالمائة في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، مقارنة بـ ١.٢ بالمائة في سبتمبر من نفس العام، وهو المعدل الأعلى منذ ١٣ شهرا، وسببه ارتفاع تكاليف الغذاء والوقود. والمثير للقلق أن أسعار التصنيع ارتفعت بنسبة ١٤بالمائة وهو أسرع معدل منذ عقدين ونيف، ?يرجع ذلك إلى تزايد تكاليف الطاقة.

لذلك ما لم يتحقق نسق زيادة الأجور بشكل أسرع من التضخم فلن يكون هناك حلول لمشكلة التضخم العالمي.

ونعود إلى المربع الأول عن السبب الحقيقي في ارتفاع الأسعار عالميا: زيادة أسعار الوقود وضعف سلاسل التوريد العالمية وتغير أولويات الطلب لدى الكثير من الشعوب في ظل بطالة عالمية متزايدة. لكن من يقف وراء كل ذلك؟