يستعد مجلس الأمة بشقيه الأعيان والنواب للبدء في مناقشة التشريعات الجديدة التي اقترحتها اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، والتي أقرها مجلس الوزراء مؤخرا، وسيقوم بإرسالها إلى مجلس النواب لكي تبدأ العملية التشريعية، وذلك عملا بأحكام المادة (91) من الدستور.
إن إقرار مشاريع القوانين الجديدة المقترحة من اللجنة الملكية سيثير العديد من التساؤلات حول آثارها القانونية والتبعات الدستورية لدخولها حيز النفاذ على مجلس الأمة الحالي، حيث سيمارس الأعيان والنواب ولايتهم الدستورية الكاملة في إضافة وتعديل وإقرار نصوص قوانين الأحزاب السياسية والانتخاب والتعديلات الدستورية، ومن ثم ستصدر إرادة ملكية سامية بالتصديق عليها والأمر بإصدارها في الجريدة الرسمية، وذلك تمهيدا لنفاذها والبدء بتطبيقها.
ويبقى قانون الانتخاب هو التشريع الأبرز الذي يحكم تشكيل مجلس النواب بطريقة مباشرة ومجلس الأعيان بطريقة غير مباشرة، وذلك فيما يخص عدد الأعيان المعينين، حيث تجري العادة بأن يتم اختيار نصف عدد أعضاء مجلس النواب أعيانا في المجلس الأعلى.
وهنا يثور التساؤل حول الأثر الدستوري لدخول قانون الانتخاب الجديد حيز النفاذ على مجلس الأعيان، حيث قدمت اللجنة الملكية مقترحا تشريعيا لزيادة عدد أعضاء مجلس النواب لصالح القائمة الحزبية الوطنية، وهي الفكرة التي من المتوقع أن يجري قبولها وتضمينها نصوص قانون الانتخاب الجديد. وهذا ما قد يدفع البعض إلى القول إن زيادة عدد النواب في قانون الانتخاب الجديد بعد نفاذه يجب أن ينعكس على عدد الأعيان الحاليين، وبأنه لا بد من تعيين أعضاء جدد في المجلس الحالي بما يتناسب مع زيادة مقاعد مجلس النواب في القانون الجديد.
إن هذا القول غير سليم من الناحية الدستورية. فإقرار قانون الانتخاب الجديد وصيرورته نافذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن يمتد نطاق تطبيقه فيما يخص زيادة عدد مقاعده على مجلس النواب الحالي الذي انقضت سنة كاملة على انتخابه، أو على مجلس الأعيان القائم الذي صدرت الإرادة الملكية السامية بتعيينه على ضوء حل المجلس السابق وإعادة تشكيله في شهر أيلول من العام الماضي. فلو سلمنا بأن قانون الانتخاب سيمتد نفاذه على مجلس الأعيان الحالي لصالح زيادة عدد أعضائه، فإنه من باب أولى أن يطبق على مجلس النواب الحالي لصالح زيادة عدد ال?واب المنتخبين فيه بما يتوافق مع أحكام القانون الجديد. وهذا الأمر بعيد كل البعد عن الواقعية الدستورية.
إن المبادئ الأساسية في فقه القانون تقضي بأن القاعدة القانونية تسري بأثر فوري ومباشر على الأشخاص والوقائع التي تحصل بعد نفاذها، وأنها لا تطبق بأثر رجعي إلا في حالات محددة على سبيل الحصر أهمها أن يكون القانون الواجب التطبيق هو الأصلح للمتهم. بالتالي، لا يقبل الدفع بأنه سيترتب على إقرار قانون الانتخاب الجديد وزيادة عدد مقاعد مجلس النواب الحاجة لتعيين أعضاء جدد في مجلس الأعيان بحجة أنه قد زاد عدد النواب بموجب القانون الجديد.
وبالتناوب، فإنه تجدر الإشارة إلى أن المادة (63) من الدستور تنص صراحة على أن يتألف مجلس الأعيان بمن فيه الرئيس من عدد ﻻ يتجاوز نصف عدد مجلس النواب. فالمشرع الدستوري اشترط في عدد أعضاء مجلس الأعيان ألا يتجاوز نصف عدد النواب بمن فيهم الرئيس، بحيث يكون متوافقا مع الدستور أن تقل نسبة عدد الأعيان المعينين عن نصف عدد النواب المنتخبين في مجلس الأمة.
أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
مواضيع ذات صلة