كتاب

معايير الاصلاح في ميزان الوسطية

لما كانت المواطنة تشكل الطاقة الدافعة لتفاعل المواطن مع وطنه، وفقا لمحدداتها المتمثلة في: المساواة في الحقوق والواجبات، وإعلاء قيمة الحرية وتطبيق مبادئ الحريات العامة والخاصة وقواعدها، والهوية الوطنية الواحدة والتنمية الشاملة في إطار العدالة... وذلك تجسيدا لقيم «العدالة» و'الحرية» لتأطير «المواطنة» و'حقوق الإنسان» و'الديمقراطية»، فان معياري «التنمية الشاملة» و'العدالة الاجتماعية» يشكلان مؤشرين على مدى نجاح الجهود الإصلاحية، وجدوى السير في الاتجاه الموحد للتيارات الثلاث لتحقيق الإصلاح المنشود، والمدى الذي يبلغه الطرح الفكري الوطني لتجسيد المعيارين على أرض الواقع تنمية وعدالة.

وفي ضوء ذلك يحيلنا أمر الإصلاح إلى جملة من المعايير، التي يمكن من خلالها الكشف عن مواصفات الحسم التنموي الوطني، تلك التي تتمثل في النسق الاجتماعي: اذ لا يوجد في الواقع نسق اجتماعي محدد، فالازدواجية هي السائدة، والحكم الاجتماعي: اذ تحكم تصرفات المواطن الأردني اجتماعيا تقمصات سياسية واهية كالقرابة والقبلية والطائفية والجهوية، وغياب التكاملية عن الانجاز: في حين أن انجاز الفعل الاجتماعي يبقى مبتورا إذا ما أسقط التكاملية من جوهره، وظاهرة الموسمية: اذ تعتمد الكثير من المنجزات على الفزعة والارتجالية.

وهناك إشكالية المصطلحات، فإن مصطلحات تتداول مثل التقدم، النمو، التنمية، التميز، تزيد الوضع إبهاما، وثمة اشكال في الإنتاج، في غياب التجربة المتكاملة القادرة للسيطرة على إنتاج السياقات، عدا عن الإشكال الاجتماعي الذي يتمثل في إشكالية الغموض والوضوح، ومسار الوعي، الذي يرتبط بالحقيقة، بينما تزعم مختلف التيارات والاتجاهات أنها تمتلك الحقيقة، وما تزال الدعوات متواصلة لتحقيق الوعي بالمسؤولية لدى المواطن الأردني، وممارستها بعيدا عن التحكم.

فكيف يمكن أن يعاد حبك النسيج الاجتماعي للمجتمع الأردني، بان تتحول هذه التيارات والاتجاهات إلى جبهة وطنية عريضة، تجمعها المصلحة الوطنية العليا، تعيد بناء المجتمع وتبني قواعد الإصلاح على أسس ديمقراطية، بدون أية صورة من صور الإقصاء أو الاستبعاد أو الاقتصار أو الاحتكار، في ظل المواطنة الحقة والقيادة النبيلة.

ان تبني الوسطية كاتجاه للإصلاح المناسب في المجتمع الأردني، يوحد بين المنطلقات الأساسية لكلا الاتجاهين الديني والقومي، في الحدود التي يتفق عليها الرأي العام، وفي تبني هذا الاتجاه يتوقع للإصلاح أن يحقق النجاح وفقا للمعايير التي تتبناها الحقيقة وتفرضها الضرورة، وهي: الشمولية، والحركية، والتجاوز. إذ تحقق الوسطية «الشمولية» عندما تستوعب في إطارها مختلف الاتجاهات الفكرية في المجتمع، من غير استبعاد لأحدها أو لبعضها، بمبعث من عداء أو إقصاء أو بدافع من تزمت أو تكفير، وتحقق الوسطية «التجاوز» عندما تترك الماضي خلفها وتطوي صفحات التجارب التي تجاوزها الزمن، وتفتح صفحات جديدة للمستقبل، الذي يتسم باللغة المشتركة والمصلحة الواحدة، التي اتفقت عليها جميع الاتجاهات الفكرية والتيارات السياسية، اضافة الى «الحركية» التي تحقق النقلة النوعية على أرض الواقع، والتي توفرها الوسطية، بفضل حشدها لمختلف الاتجاهات في تيارها العريض، وهي تهدف بحركتها إلى تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية، وارساء مواصفات المواطن الصالح.