يقال إن عبارة لا غالب ولا مغلوب ابتكرها رئيس الوزراء اللبناني صائب سلام, بعد أحداث عام 1958في لبنان، التي كانت ستؤدي إلى حرب أهلية بين المسيحيين المارونيين والمسلمين، بعد رفض الرئيس اللبناني كميل شمعون قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدول الغربية التي هاجمت مصر خلال أزمة السويس والعدوان الثلاثي.
وعلى الرغم من أن التوازن في التمثيل الطائفي في لبنان ليس منصوصا عليه في الدستور اللبناني أو القوانين، بل كان يستند إلى أعراف سائدة منذ عام 1932، جرى التوافق عليها لاحقا بين الأطراف اللبنانية في عام 1943، قبل استقلال لبنان عن فرنسا عام 1946، بأن يكون رئيس الجمهورية (مسيحي ماروني) ورئيس الوزراء (مسلم سني), ورئيس مجلس النواب (مسلم شيعي)، وبعيداً عن الدخول بباقي تفاصيل توزيع المناصب على باقي الطوائف، بقي هذا التوازن السياسي مرتبطا أيضاً بتوازن ما يمكن تسميته قوة السلاح، التي تمتلكها الطوائف والأحزاب السياسية على أرض الواقع.
لقد كان لبنان يعتبر حالة متقدمة بالحياة الديمقراطية في المنطقة العربية، ولكن يبدو أن هذه الديمقراطية كانت (عرجاء) ترقد على صفيح ساخن لكونها مرتبطة أيضاً بتوازنات وتبعيات وتحالفات وتدخلات قوى إقليمية ودولية، كانت السبب في الانفجارات التي تحصل بين الحين والآخر لاستقواء بعض الطوائف والأحزاب بقوى خارجية سياسياً وعسكرياً، لتصبح الساحة اللبنانية قبل وأثناء وبعد الحرب الأهلية عام 1975وحتى عام1990 مسرحاً لتواجد قوات عسكرية غير لبنانية، أكانت سورية أو فصائل فلسطينية, وما تبعها من اجتياح إسرائيل في الأعوام 1982و2006 في حربها مع حزب الله في الجنوب.
هذا الأخير الذي استطاع بسبب امتلاكه لميلشيات عسكرية كبيرة ومنظمة، وامتلاكه لأسلحة متقدمة بدعم إيراني لا محدود، وبالتحالف مع بعض الأحزاب والطوائف، أن يهيمن على الساحة اللبنانية، بل وأن يوسع دوره الإقليمي، ويمارس نشاطه العسكري والسياسي (الحروب بالوكالة)، أكان في سوريا أو اليمن أو غيرهما من الدول. ليدخل بعدها لبنان في نفق مظلم من التجاذبات والصراعات السياسية الداخلية والخارجية، دفعت الكثير من الدول مثل الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية وكذلك الدول الخليجية للتوقف عن دعم لبنان, وتعرض كثير من قطاعاته إلى عقوبات قتصادية.
وهو ما أدخل الدولة اللبنانية في حالة من شبه الانهيار الاقتصادي. ورغم أن المشكلة في ظاهرها مرتبطة بتعطل تشكيل الحكومة لفترة طويلة من الزمن. إلا أن الحقيقة غير ذلك، فلقد استطاعت القوى والأحزاب السياسية المؤيدة لإيران فرض أجندتها، وسحب البساط من تحت أرجل الجميع, بعد أن أوصلت البلاد إلى مرحلة الفوضى والانهيار الاقتصادي، أصبح الشعب اللبناني بعده الخاسر الأكبر.
وفي النهاية نقول إن الولاءات الحزبية والطائفية المذهبية في لبنان أكثر أهمية وتجذراً من الولاء للوطن، فلم تعد معادلة لا غالب ولا مغلوب التي تحدث عنها رئيس الوزراء الأسبق صائب سلام هي السائدة في لبنان، بل أصبحت قاعدة (غالب ومغلوب على أمره) هي السائدة,،وحتى لا نظلم لبنان، فالمواطن العربي بالمجمل أصبح مغلوباً على أمره، وهو يرى دُولهُ تتناحر فيما بينها، على قاعدة (الإخوة الإعداء), ولم يعد يدري من يقتل من ولصالح من؟
مواضيع ذات صلة