إن القارئ لكتاب جورد لاكوف «العقل السياسي: لماذا لا تستطيع فهم السياسة في القرن الحادي والعشرين بعقل القرن الثامن عشر) يدرك أن الأمر يعود إلى الإعلام وكيف يؤطر الإعلاميون المعارك السياسية وفق مراحل: تأطير ساحة المعركة مثل خلق سيناريو غزو أو عدو وهمي بالبدء بالترويج للخطر القادم الذي قد يؤثر على دولة ما صاحبة نفوذ وقوة عالمية بحيث يمنح الإعلاميون السياسيين الحق بالإعداد للخطة تحت شعار الدفاع عن النفس. وبعدها تأتي المرحلة الثانية لإظهار الوجه السمح للدولة عبر تعاملها مع الأعداء وتغيير عقيدتهم ومعتقداتهم. وأخيراً رسم ملامح المستقبل الذي ينتظر ذلك البلد اقتصادياً وأمنياً وسياسياً وعسكرياً وثقافياً وعلمياً.
وهذا بالضبط ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز في العام 2008 عن كيفية اختراق الدول لشبكات الإعلام لإملاء تقارير وتعليقات ما لتمرير سياسة محددة عبر محللين وإعلاميين مخضرمين يعملون في شبكات إعلامية من المفترض انها مستقلة.
والسؤال هنا: من يمتلك وسائل الإعلام؟ في الاقتصادات والمجتمعات الحديثة، توافر المعلومات أمر أساسي لتحسين عملية صنع القرار. فالإعلام يعمل على توفير المعلومات، فهل ينبغي تنظيم وسائل الإعلام بأسلوب مبني على الاحتكار الإعلامي أم على أسس من التنافس الحر؟ وهل للدول والحكومات دور؟ وأين هو القطاع الخاص من ذلك؟
المعلومة هي منفعة عامة، يكون احتكارها بعيداً عن الآخرين أمراً صعباً للغاية لأنه لا بد وأن يأتي اليوم الذي تظهر فيه الحقيقة. فالمعلومة لها ثمن، لا يعرفه إلا أصحاب رؤوس الأموال الذين يعرفون أن خبراً واحداً قد يودي بممتلكاتهم إلى الهاوية أو يرفع قيمة تلك الممتلكات إلى عنان السماء. لذلك نرى الدول المتقدمة تحكمها مؤسسات إعلامية يملكها رأسماليون وأباطرة المال العالميون لأنهم يعلمون أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الأعمال والإعلام. وخير مثال على ذلك امبراطورية بلومبيرغ وفوكس نيوز الأميركيتين.
هل يمكن لأباطرة المال والأعمال العالميين أن يتحكموا بوسائل الإعلام لنشر مصالحهم السياسية؟ هذا الأمر سائد في الغرب وخاصة في الولايات المتحدة إذ يؤطر أباطرة المال عبر ملكيتهم وسائل الإعلام عقول المشاهدين والمستمعين والقراء بما يخدم مصالح وأهواء صاحب رأس المال.
لذلك فإن الحديث عن ملكية وسائل الإعلام أمر مهم للغاية عالمياً؛ ففي الغرب اليوم مليارات الدولارات التي تضخ كل يوم عبر وسائل الإعلام ما يؤثر على موضوعيتها ونزاهتها وحياديتها تجاه مختلف القضايا والمسائل المحلية والعالمية. وفي دول العالم الثالث، تبرز الملكيات الحكومية لوسائل الإعلام مع وجود أنشطة إعلامية محدودة لمحطات خاصة لكن المعضلة التي تبقى هنا هي توفير الحكومات - وخاصة في الدول النامية–الأرضية لإعلام موضوعي وحيادي لا يؤثر فيه الدعم الحكومي.
يبدو أن سرعة انتشار الأخبار والتقارير عبر فضاءات وسائل التواصل الاجتماعي قد تفضي إلى تغيير مسار الحكومات في الدول التي تمتلك وسائل الإعلام الرئيسة، والبدء بالخصخصة وتغيير القوانين لتتماهى مع التطورات الدولية والإقليمية الاقتصادية والسياسية والثقافية والإعلامية من حيث النهج الذي يتبعه متلقي الملعومة لأن المصداقية أصبحت هي المعيار ولا يهم مصدر تلك المعلومة× ففضول المتلقي يدفعه للبحث عن وسائل تشبع تعطشه للأخبار والمعلومات لا المعلومات المقُولبة والمؤطرة لتمرير رسائل مشفرة للمشاهد والقارئ والمستمع.
مواضيع ذات صلة