لعل اللعبة السياسية اليوم في أفغانستان قد بدأت فعلياً تتحول شرقاً نحو البوابة الصينية التي تبعد فقط ٦٥ كيلومتراً عن الحدود الأفغانية، ما يعني أن سقوط دولة مساحتها قرابة ٦٥٠،٠٠٠ كلم مربعاً ولها حدود مشتركة مع باكستان والهند وإيران والصين وطاجكستان وأوزبكستان وتركمانستان، وعدد سكانها ٣٢ مليون نسمة بأيدي حركة طالبان التي ستسيطر على العتاد العسكري الغربي كاملاً لتستخدمه وفق أهواء ومصالح قادة طالبان ووفقاً لمصالح دول إقليمية ودولية، فإن الهدف سيكون الصين أولاً. فطالبان ستكون العدو الأول للصين، ما يستدعي تنازلات?صينية للسياسة الأميركية والغربية مقابل بقاء القوات للحيلولة دون سقوط ما تبقى من أفغانستان.
الانسحاب الأميركي من أفغانستان كان مخططاً له منذ أمد بعيد حين أعلنت الإدارة الأميركية أنها قد حققت المطلوب منها وانتقمت من منفذي تفجيرات برجي التجارة العالميين فيما اصطلح عليه بأحداث ١١ أيلول ٢٠٠١. لكن الكثير من السياسيين والاستراتيجيين يرون أن المهمة لم تحقق أهدافها في أفغانستان بل خرجت طالبان أقوى من قبل والدليل على ذلك أنها اجتاحت مساحات واسعة من البلاد وكبدت القوات الحكومية خسائر كبيرة. لذلك، فإن الانسحاب من أفغانستان يهدف في هذا الوقت بالتحديد، في ظل توتر العلاقات الأميركية الصينية، إلى زيادة الضغط عل? بكين لمراجعة سياستها الخارجية، كما أنه يهدف إلى إرسال رسائل عديدة لأطراف بينها وبين واشنطن تنافر سياسي مثل طهران وموسكو.
إن الانسحاب الأميركي جاء بعد نحو عشرين عاماً من القتال في أفغانستان، وبعد مفاوضات دامت عشرين شهراً، توجت بتوقيع الأميركيين في ٢٩ شباط٢٠٢٠ اتفاق سلام مع حركة طالبان يتم بموجبها سحب القوات الأميركية من أفغانستان بحلول صيف 2021، مقابل ضمانات قدمتها الحركة التي تضمنت التعاون في مكافحة الإرهاب، والتعهد بالتفاوض على اتفاق دائم لوقف إطلاق النار وتقاسم السلطة مع الحكومة الأفغانية.
تحتل أفغانستان موقعاً استراتيجياً على طريق الحرير الصيني بين آسيا الوسطى وجنوب القارة وغربها والشرق الأقصى. ففي العام ١٩٩، زادت وتيرة العداء بين طالبان وإيران بعد سيطرة الحركة على أفغانستان، وكانت طهران وطالبان على شفا حرب في العام ١٩٩٨عقب مقتل عدد من الدبلوماسيين الإيرانيين في مزار شريف. الصين ستحاول منع الاتصال بين الحركة والمسلمين الإيغور في إقليم شينجيانغ. كما أن روسيا تخشى من زيادة نفوذ الحركة وتأثيره على جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق التي يُعد استقراراها أمراً مهماً في استقرار روسيا الاتحادية اليو?.
كما أن مجريات الأحداث تدل على أن حرباً أهلية أفغانية على وشك النشوب تكون أعنف مما كانت عليه من قبل خاصة وأن عدد مقاتلي الحركة قد ارتفع إلى ٧٥،٠٠٠ مقاتل، وهو أكثر من عديد القوات المسلحة الأفغانية.
قرار الانسحاب، وإن كان على مراحل، يُعد، وفق ما تراه بعض الأوساط الاستخباراتية، ضربة معلم في كافة الاتجاهات بعد أن قويت شوكة طالبان أكثر مما كانت عليه من ذي قبل.
مواضيع ذات صلة