كتاب

عن سعود الذي رحل

لأسباب كثيرة إحداها شديد الخصوصية, شعرت بحزن شديد يوم السبت الماضي وأنا أقرأ نعي المخرج المبدع سعود الفياض الخليفات, ليس فقط لأني عرفت الراحل منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي, عندما اقتحم علينا ذات مساء مكاتب جريدة اللواء محتجاً على مقالة نقدية تناولت مسلسله الذي كان يعرضه التلفزيون الأردني في تلك الأيام, يوم كان المبدع يرى ذاته في عمله فيدافع عنه دفاعه عن نفسه, ويوم كان الناس يقرأون ويتحاورون حول ما يقرأونه للوصول إلى الحق, فبعد جلسة حوارية طويلة في تلك الأمسية خرج سعود رحمه الله هادئ النفس, وصار صديقاً لن? على صعيد الصحيفة وعلى الصعيد الشخصي, وهذا سبب من أسباب حزني لرحيله.

أما السبب الآخر فيتمثل في فداحة الخسارة التي يجب أن نشعر بها في الأردن كلما رحل مبدع من مبدعينا الكبار أمثال الراحل سعود, خاصة في هذا الزمن الذي صرنا فيه فقراء بالإبداع والمبدعين, بعد أن طفت على السطح الأوزان الخفيفة, عندما تم تجاهل وإقصاء بعض مبدعينا الكبار, بينما اختار بعضهم الآخر العزلة حفاظاً على تاريخهم كما فعل سعود, وهو يقضي آخر أيامه معتكفاً بـ «المغاريب» حيث الأرض التي أحب.

وعند الأرض لا بد من وقفة طويلة, نقول فيها إن سعود الفياض تعلق بالأرض كثيراً, ورفض تحويلها إلى سلعة تباع وتشترى, ويتنافس السماسرة في «المزاودة» عليها, وقد رصد بمهارة فائقة من خلال كمرته جملة التحولات التي جرت على العلاقة بين الإنسان والأرض في بلدنا, ومن خلال رصده لهذه التحولات كان سعود الفياض يرصد جملة التحولات في العلاقات الاجتماعية معلناً انحيازه إلى الأرض كقيمة ومعنى ورمزاً, ومن خلال ذلك انحيازه إلى قيمنا الاجتماعية الأصيلة, وقد مارس هذا الانحياز عندما أمضى سنواته الأخيرة في عزلته الطوعية في أرضه بـ'مغار?ب» السلط, مجسداً سيرة الأردني الأصيل, الذي لا يفرط بأرضه لأنها جزء لا يتجزأ من هويته الوطنية, بكل مكوناتها من تراث وتاريخ وقيم ثقافية واجتماعية..

رحل سعود الفياض الخليفات ليذكرنا رحيله بجيل من الرواد الذين تحدوا قلة الإمكانيات, فاستطاعوا أن يحملوا على أكتافهم الدراما الأردنية للمنافسة على الساحة العربية كلها, في زمن كان للدولة الأردنية رؤيتها التي امتلكت أدواتها, وكانت الدراما أهم هذه الأدوات الناقلة الخطاب الثقافي الأردني, بواسطة بصيرة سعود الفياض الخليفات وزملائه من عمالقة الفن الأردني الذين نفقدهم واحداً تلو الآخر, بعد ان تنكرنا لهم عندما جهلنا خطورة الدور الذي يقومون.

Bilal.tall@yahoo.com