كتاب

التصالح قبل الإصلاح

لست هنا بصدد الحديث عن الإصلاح بالمفهوم العام, أو عن لجنة الإصلاح السياسي, التي أوعز جلالة الملك بتشكيلها, وما قد يتبعها في المستقبل القريب من لجان للإصلاح الاقتصادي والإداري, وغيرها من اللجان التي تحتاجها الدولة في شتى المجالات, لتصويب ما قد مضى من تشريعات لتتواءم والمرحلة الجديدة من عمر الدولة الأردنية, التي احتفلت قبل أشهر بمئويتها. وللتوضيح فهناك فهم خاطئ لمفهوم ومعنى الإصلاح, بأنه لا يتم إلا إذا كان هناك شيء خاطئ, فالإصلاح يعني بالضرورة إضافة أو تصويب أو تعديل ما هو سابق ليتلاءم مع ما هو حاضر.

نتفق جميعا أن الدولة الأردنية تعيش في السنوات السابقة ظروفا خارجة عن إرادتها, ناجمة عن أزمات وظروف اقتصادية, وكذلك جائحة كورورنا وما تبعها من مشاكل مجتمعية من فقر وبطالة, أصبحت جميعها تشكل ضغطا نفسيا علينا, بل إنها ولدت لدينا مزاجا عاما متشنجا عصبيا, ليس في العلاقات على المستوى الشعبي, بل حتى على المستوى الرسمي, فأصبحنا نرى ونسمع عبر وسائل التواصل الاجتماعي, كثيرا من التشكيك والتخوين باغلب ما تقوم به أو تتخذه الحكومة من قرارات, بل وصل الأمر مرحلة (التنمر), فجميع المبررات والحجج التي تبديها الحكومة مرفوضة, وجميع القرارات التي تتخذها مشكوك بها. بل إن عدوى التنمر وصلت بعض اعضاء مجلس النواب الأردني, وإن كانت في كثير من الأحيان من باب الاستعراض أمام قواعدهم الشعبية.

لقد تابعنا في الآونة الأخيرة حجم الإجراءات التي قامت بها الحكومة على كافة المستويات, فيما يتعلق بتخفيف الأعباء الاقتصادية, أو فيما يتعلق بتخفيف القيود, وفتح القطاعات الاقتصادية رغم الظروف الصعبة, ورأينا كيف أن رئيس الوزراء بشر الخصاونة ينتقل بزيارات ميدانية من محافظة الى محافظة من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب, للاطلاع على احتياجات ومشاكل الناس. وللأمانة تشعر وكأن الحكومة في سباق (للماراثون), تلهث لمعالجة المشاكل هنا وهناك. فأنا بذلك لست بمادح او ذام, فلا تربطني برئيس الوزراء الذي أحترمه, أية علاقة, بل أنظر للأمور بمنظار محايد, وكما يقال بالمثل الشعبي: (اللي بالرجال بنقال). وفي النهاية أرى أن هناك جدية وإصرارا من الحكومة على الإصلاح, والمطلوب منا جميعا أن نقابل ذلك بثقة اكبر، وان نهدأ ونتصالح مع أنفسنا وفيما بيننا, وأن نثق ببعضنا البعض, وان نحتكم للغة العقل والمنطق، فالتحديات كثيرة, فلا يصح إلا الصحيح, فالمصلحة الوطنية واستقرار الدولة فوق كل اعتبار.

مستشار وأستاذ القانون الدولي العام