إنَّ الغاية من استحداث برامج الدراسات العليا في الجامعات تأهيل وإعداد الباحثين بالدرجة الأولى وليس المدرسين، واستقطاب الكفاءات القادرة على تطوير البحث العلمي من خلال انخراطهم في برامج الدراسات العليا، ضمن فرق لديها مهمات بحثية واضحة، يرصد لها مخصصات مالية كافية، لذلك تسير برامج الدراسات العليا في الجامعات في مسار البحث العلمي وليس بخط أو مسار مختلف. وهذا هو السبب وراء جودة برامج الدراسات العليا وكفاءتها، ودورها في تطوير الأداء الأكاديمي للجامعة، عدا عن دورها الكبير في خدمة المجتمعات المحلية، كما تساهم وفق هذا النهج في استقطاب الدعم المالي للجامعة.
في المقابل تنحصر غايات بعض الجامعات من برامج الدراسات العليا في استقطاب مزيد من الطلبة وضخ أموال الرسوم الدراسية إلى موازنة الجامعة سعياً للخروج من مأزق المديونيات الكبيرة، كما يميل الكثير من الأكاديميين والمدرسين في برامج الدراسات العليا إلى التدريس التقليدي كما لو كانت هذه البرامج ضمن برامج المرحلة الجامعية الأولى، وهذا ما يجعل برامج الدراسات العليا دون المستوى المطلوب.
وفي كثير من برامج الدراسات العليا لا يتم التركيز على تطوير مهارات البحث العلمي وصناعة المعرفة، ويتم تدريس معظم المساقات بهدف نقل المعرفة من المدرس إلى الطلبة بطريقة مباشرة، كما يقوم الكثير من الطلبة بكتابة رسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراة وفق سياق معد مسبقاً وآليات لا تشجع التقصي العلمي العميق وتطبيق المهارات المعرفية العليا، بل قد يلجأ بعض الطلبة وبسبب عدم منحهم الوقت والتوجيه المناسب من المدرسين المشرفين على إعداد الرسالة أو الأطروحة إلى الاستعانة ببعض المراكز أو المكتبات التي امتهنت كتابة البحوث والرسائل الجامعية بمقابل مادي.
إنَّ السياق التقليدي في تنفيذ برامج الدراسات العليا يجعل الرسائل والأطروحات الجامعية تعد بهدف استكمال متطلبات التخرج والحصول على الدرجة الجامعية فحسب، ولا يكتسب حملة الدرجات الجامعية العليا المستوى الكافي من مهارات البحث العلمي، إضافة للمهارات المهمة الأخرى كمهارة التفكير النقدي والإبداعي ، والتحليل وحل المشكلات. إنَّ برامج الدراسات العليا هي روح البحث العلمي في الجامعات والمراكز البحثية، وهي المحرك الذي ينتج الطاقة اللازمة لإنتاج المعرفة، ولذلك يتوجب أنَّ تتحول فلسفة استحداث هذه البرامج من استقطاب الطلبة فحسب إلى توظيف هذه البرامج في رفع السوية العلمية والأكاديمية للجامعات، وقد يتأتى ذلك من خلال تشريعات جديدة وناظمة وذات علاقة وثيقة بسياسات التدريس الجامعي وكذلك سياسات دعم البحث العلمي.
rsaaie.mohmed@gmail.com
مواضيع ذات صلة