الجدل الذي دار خلال الأيام الماضية حول معركة الكرامة ليس جديداً، وسيظل يتجدد مثل هذا الجدل ليس حول معركة الكرامة وحدها، بل حول الكثير من المسلمات والثوابت الأردنية وحقائق التاريخ الوطني الأردني المعاصر، فقبل احتدام الجدل حول «الكرامة»، كان الجدل محتدماً حول العشائر الأردنية ودورها، حيث يسعى البعض إلى شيطنة هذه العشائر وتحميلها كل أوزار المرحلة، غير أن ماهو أخطر من الجدل حول معركة الكرامة وحول العشائر، وأبعد منهما هو الجدل حول هوية الدولة الأردنية الحديثة ومكوناتها، رغم مرور مئة عام على تأسيسها.
إن لاستمرار هذا الجدل أسباباً كثيرة، منها غياب الرواية الأردنية للكثير من وقائع وحقائق التاريخ الوطني الأردني المعاصر، ومعركة الكرامة مثال صارخ على هذا الغياب، ففي الوقت الذي انشغلت بعض الفصائل التي كانت على هامش المعركة، بل وتلك التي لم تشارك بها أصلاً لكنها انشغلت بتقديم رواية تزعم فيها لنفسها أدواراً مركزية وحاسمة في المعركة، من خلال سيل من الإصدارات شملت كتباً ودراسات وقصائد شعرية وألواناً أخرى من الفنون، بالإضافة إلى الندوات والمؤتمرات، فإن الرواية لمعركة الكرامة جاءت متأخرة وخجولة ومتسامحة، ما سهل على الآخرين سرقة النصر وتجييره، وصولاً إلى إنكار محورية الدور الأردني فيه، وجعله محل نقاش.
الخجل والتسامح صارا صفتين أردنيتين مرفوضتين سياسياً، لأنهما جعلتا الكثيرين يتطاولون على الأردن، وينكرون أدواره التاريخية، بل ويضعونه في كثير من الأحيان في خانة الاتهام والدفاع عن النفس، مما صار لا بد معه من تخليص الأردن من سياسة الخجل والتسامح، خاصة عندما يتعلق الأمر بالحقوق الوطنية الأردنية، والأدوار الأردنية والمسلمات والثوابت الوطنية ووقائع التاريخ الوطني الأردني، وهذا يتطلب أن نبني روايتنا الأردنية للأحداث والوقائع التي جرت على أرضنا، أو تلك التي جرت من حولنا وأثرت علينا، وقدم حولها الآخر روايته التي طالما ظلمتنا، خاصة في فترة ازدهار سياسة المحاور عربياً وصراعاتها، التي أصابتنا بالكثير من الجراح، وهذا يستدعي مراجعة تاريخية، صارت مبررة في ظل احتفالاتنا بمئوية الدولة لنضع من خلال هذه المراجعة روايتنا الأردنية للوقائع والأحداث، لنقدمها لأبناء شعبنا وأمتنا، وهذا يستدعي أولاً أن نتخلص من سياسة الخجل والمجاملة والتسامح على حساب سمعة وهيبة وطننا ودولتنا، وهو أمر يحتاج إلى مسؤولين لا يخافون ولا يجاملون ولا يقبلون بأنصاف الحلول والمواقف، كما يستدعي ثانياً أن يكون لدينا مؤسسة ثقافية إعلامية قوية وقادرة، مطلوب منا أن نحميها من الاختراق، فإحدى نقاط ضعفنا أنه لم يعد لدينا مؤسسة إعلامية متماسكة ومقاتلون بالكلمة والصورة، فصار صوتنا غير مسموع، وصارت صورتنا مشوهة.
ومع ضرورة بناء المؤسسة الإعلامية الثقافية القادرة على حمل الرواية الأردنية وتقديمها بما يليق بها، هناك ضرورة لسد الثغرات التي تتسلل منها روايات الآخرين لتصديع جدارنا الوطني، لأن خصمنا يتسلل من ضعفنا، وروايات الآخرين تنتشر في غيابنا.
Bilal.tall@yahoo.com
مواضيع ذات صلة