نرتكب منذ سنوات خطأً قاتلاً، نعتقد أنه السبب الرئيس لكل مشاكلنا اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، ونظن استمرار هذا الخطأ سيقودنا إلى ظروف أسوأ مما نحن فيه، وإلى عاقبة وخيمة، فالحكومات المتعاقبة التي تدعو إلى بناء مجتمع الإنتاج، تتناسى أن بناء المجتمع يتم على صورة بناء الإنسان في ذلك المجتمع، لذلك فإن أساس بناء المجتمع المنتج هو بناء الإنسان المنتج، وهو ما لا يتم، بل على العكس من ذلك فقد جرى خلال السنوات الماضية تنمية كل نوازع الكسل والاستهلاك لدى الناس، بصور مباشرة وغير مباشرة، خضوعاً لطلبات السوق وإعلانات وكلاء البضائع، لذلك فإن فرص بناء مجتمع الإنتاج تتلاشى يوماً بعد يوم.
كما تطلب الحكومات من المواطن أن يكون موضوعياً ومنصفاً، وألا ينساق وراء الإشاعات المغرضة، كما تطلب منه عدم الميل إلى التطاول خاصة على رموز الوطن، وعدم اعتماد أسلوب القدح والذم عند ممارسته للنقد، في الوقت الذي تترك فيه كل أدوات تنمية نوازع عدم الإنصاف، وأدوات الذم والقدح مسيطرة وناشطة في ضخ الإشاعات والمعلومات الخاطئة إلى عقل الإنسان الأردني، وفي المقابل تتجاهل بناء وجدانه وضميره، من خلال تجاهل أدوات بناء هذا الوجدان، بل وأكثر من ذلك فإنها لم تكتف بالتجاهل، بل أنها سلمت مهمة توجيه الوجدان وقبله العقل لمنظمات تخدم أجندات لا تصب في بناء الإنسان المنتج، ولا وجدانه، بل إنها تمزق انتماءه لقيم مجتمعه وثقافة هذا المجتمع ونسيجه.
الخطأ القاتل الذي ترتكبه حكومات عديدة هو أنها تقلب سلم أولوياتها، وطريقة عملها، فتضع الآليات قبل الأهداف، وتقدم الاقتصاد على الاجتماع، وتهمل العقل والوجدان، رغم أن الوجدان هو الذي يحدد طبيعة الإنسان، ويحكم سلوكه وتصرفه حتى اتجاه «معدته», ويحدد إذا ما كان إنساناً منتجاً ومنتمياً وموضوعياً أو عكس ذلك.
كثيرة هي صور تكرار كثير من الحكومات للخطأ القاتل، المتمثل بإهمالها لبناء الإنسان، وأول ذلك وجدانه، غير أن أبرز هذه الصور وأخطرها إهمالها للثقافة ومضامينها، وكذلك إهمالها لوسائل الإعلام الناقل الرئيس للخطاب الثقافي، المتمثل بالكتاب نثراً وشعراً، وبالمسرح والأغنية والأوبريت وقصص الأطفال وأدبهم، فالخطاب الثقافي ووسائل الإعلام الإيجابية هي التي تبني الإنسان المنتج والمنتمي، ومن ثم المجتمع المنتج، وهي كلها مهمة في بلدنا لذلك لن يكون هناك خروج من أزمتنا الاقتصادية، بل ستتفاقم أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، إن لم نسارع لتصحيح سلم أولوياتنا.
Bilal.tall@yahoo.com
مواضيع ذات صلة