أ. د. ليث كمال نصراوين
قامت الدولة الأردنيّة على العديد من الثوابت الوطنية التي جرى تكريسها في الدساتير المتعاقبة التي صدرت منذ تأسيس إمارة شرق الأردن، حيث ترسخت هذه القيم وتوارثتها الأجيال والقادة على مر العصور، ذلك على الرغم من الظروف السياسية والتاريخية التي عصفت بمراحل قيام الدولة الأردنية.
ويأتي في مقدمة هذه المبادئ الوطنية الاعتراف للدولة الأردنية بهوية إسلامية جامعة تسمح بالتعددية وقبول الآخر، وهي القاعدة التي جرى فرضها على المستعمر البريطاني في القانون الأساسي لعام 1928، إذ نصت المادة (10) منه على أن الإسلام هو دين الدولة.
وقد تمت المحافظة على هذا المبدأ في الدساتير الأردنية المتلاحقة، والتي تغير أسلوب نشأتها فأصبحت تشكل عقداً اجتماعياً بين الحاكم والمحكوم من خلال ممثليه المنتخبين. فنصت المادة (2) من دستور عام 1946 على أن دين الدولة هو الاسلام، كما تكرس هذا الحكم في المادة (2) من الدستور الحالي لعام 1952 التي تنص بالقول إن الإسلام دين الدولة.
ولم تقتصر الإشارات الدينية في الدستور الحالي على اعتبار الإسلام ديناً للدولة، بل توسعت لتشمل «الدين» بمفهومه الواسع، حيث تنص المادة (6) من الدستور على عدم جواز التمييز بين الأردنيين على أساس الدين أو العرق أو اللغة. كما أدخلت التعديلات الدستورية لعام 2011 حكما دينيا جديدا يقضي بأن اﻷسرة هي أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن.
وتظهر الدلالة الدينية في الدستور الأردني في المادة (19) منه التي تعطي الحق للجماعات بتأسيس مدارسها والقيام عليها لتعليم أفرادها، وهو الحكم الذي يشمل المدارس التي تقوم الجماعات الدينية والعرقية بإنشائها وفق أحكام القانون.
ويبقى جُل الإشارة إلى الدين في الدستور الأردني في المادة (14) التي تفرض على الدولة حماية حرية القيام بشعائر الأديان طبقا للعادات المرعية في المملكة. فهذا الحكم الدستوري الذي يكرس الحق في حرية إقامة الشعائر الدينية، تتسع دلالاته لتشمل تقرير الحق في حرية العقيدة. فلا شعائر دينية تمارس دون أن يكون للفرد عقيدة دينية يؤمن بها ويعتبرها نبراسا لحياته الروحية.
وهنا تظهر أهمية الاستدلال بالدين الإسلامي في تنظيم ممارسة الحقوق والحريات الدستورية، وفي مقدمتها الحق في ممارسة الشعائر الدينية، والتي اشترط المشرع الدستوري أن تراعي هذه الشعائر العادات المرعية في الدولة، وألا تخالف النظام العام والآداب العامة. فالعناصر والأركان المكونة للنظام والآداب العامة المرعية في الدولة يتم تحديد ماهيتها بالاستناد إلى الدين الإسلامي، باعتباره الدين الرسمي في الدولة.
إن قراءة النصوص الدستورية بإطارها العام الجامع تعطي انطباعا بأن تقرير الإسلام دينا للدولة لم يكن الهدف منه إقصاء الآخر وإعطاء الدولة الأردنية صبغة إسلامية في قوانينها وتشريعاتها. ولا أدل على ذلك أن الدستور الأردني، وعلى خلاف الدساتير العربية الأخرى، لم ينص صراحة على أن الشريعة الإسلامية مصدر من مصادر التشريع فيها. وهو الحكم الذي أثار العديد من الخلافات الدستورية في الدول المجاورة فيما يخص مدى جواز الاعتماد على الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي عند صياغة القواعد القانونية.
إن الإسلام كدين وحياة لا يشكل عائقا أمام قيام الدولة المدنية القانونية التي يخضع فيها الحاكم والمحكوم لسيادة القانون. كما أنه ليس بناكر للحقوق والحريات البشرية، والتي أقرتها الشرائع الدينية قبل أن يتم «تدويلها» من قبل المنظمات الدولية.