المهندس سمير الحباشنة
(١)
«محمد كعوش»
بداية، أنعى لكل المسكونين بهموم أمة العرب وأشواقها، واحداً من أصدق الشخصيات العروبية المعروفة، الذي رحل منذ أيام وما زال قلبه ينبض، حتى آخر لحظة في فلسطين، وإيمانه بأن هذه الأمة ومهما انكفأت، لابد يوماً أن تعود فتضمد جراحها وتسعى إلى اللحاق بالأمم المتقدمة. أنعى لكل الشرفاء صديقي النبيل، الكاتب الصحفي المرموق، الأستاذ محمد كعوش، الذي رحلَ وكانت أمنيتنا المشتركة أن نرى سوريا وقد حط بها السلام، فنزورها معاً.
رحمة الله على أبي يوسف..
(٢)
أكثر ما آلمني هذه الأيام حيث حلت ذكرى الحرب اللعينة على سوريا مسألتان: الأولى، أن أغلب التقارير الإعلامية، أجمعت على أن العرب ورغم أنهم أصحاب «الدار»، كانوا الطرف الأضعف في التأثير في مجريات الأمور في سوريا، وأن اللاعبين الدوليين والإقليميين هم من يحرك الأحداث في سوريا المكلومة، كلٌ يبحث عن مصالحه وتحقيق أجنداته الخاصة على حساب سوريا، وبالنتيجة على حساب العرب جميعاً. أما الثانية، فإن تلك التقارير لم تول اهتماماً للبحث والتركيز على آفاق السلام المحتملة، بل كانت تنكأ الجراح، فتروي قصص القتل والدمار، وكأني بمعديها يهيئون المسرح، لفصل جديد من الحرب، ومنح مساحات جديدة لمقاولي الحروب، ليمارسوا رغباتهم الخبيثة بإذكاء روح العداء بين الأخوة.
(٣)
إلا أن ما يشيع الأمل في النفس، تلك الأنشطة السياسية التي بدأنا نرصدها أخيراً، والتي تشي بشيء من التفاؤل وتصب في إمكانية الخروج من النفق، بحيث ترى سوريا النور بعد كل ذلك الظلام الدامس الذي تشهده منذ عقد، ومنها:
* لقاء الدوحة الثلاثي الروسي - التركي - القطري، الذي خُصص لبحث الموضوع السوري وبروح إيجابية ملموسة، حيث أعلنت الأطراف الثلاثة عن سعيها نحو فكفكة الأزمة والعمل على حلها. وأعتقد أن هذا اللقاء على درجة عالية من الأهمية ذلك لأن الدول الثلاث ذات تأثير دولي وإقليمي مهم وبالذات في تحريك الأحداث في سوريا. والذي يزيد من أهمية هذا اللقاء، أن المجتمعين سوف يستمرون بالتواصل لإنجاز هذه المهمة إذ نأمل أن يكون له دوره في رسم معالم الفصل الأخير من الكارثة التي حلت بالعرب بطبعتها السورية.
* إن اللقاء الروسي-الإماراتي يصب في ذاتِ الاتجاه، لاسيّما بعد تصريح الوزير الإماراتي بأنه بلاده تسعى إلى أن تعود سوريا إلى الجامعة العربية، خصوصاً وهو لربما أول تصريح عن مسؤول عربي كانت بلاده قد أعادت فتح سفارتها في سوريا منذ أكثر من عام. وبنفس الوقت، فإن دولة بتأثير الإمارات «السياسي» وعلاقاتها المتميزة مع واشنطن، يمكن أن تُستثمر حتى لا يكون قانون «قيصر» الأميركي، عائقاً لجهود تحقيق السلام، وهذا على أي حال ما ذكره الوزير الإماراتي في ذات اللقاء.
* ما صدر عن مجلس الوزراء السعودي الأسبوع الفائت، والدعوة الصريحة، باعتبار أن الحل في سوريا لن يكون إلا سياسياً.
* دون أن نغفل أهمية ما يرشح من أخبار عن تطبيع للعلاقات المصرية-التركية.
هي مؤشرات بمجموعها تبين أن هناك تحولا في المفاهيم، قد يدفع الأمور تجاه بلورة مبادرة جادة، تنهي الأزمة في سوريا. فدول الخليج العربي الثلاث، إضافة إلى سمة الاعتدال، التي ميّزت سياسة الكويت، وعُمان -التي يزورها وزير الخارجية السوري لعدة أيام- إنما تمثل عاملاً مهماً يمدُّ السلام بدفعة قوية منتظرة.
(٤)
إن الدولة السورية اليوم تمكنت، برغم إطالة أمدّ الحرب وبرغم قوى الإرهاب والارتزاق التي تكالبت على البلاد من كل حدب وصوب تحت يافطة الجهاد المزعومة، استطاعت أن تحافظ على تماسك الدولة وجيشها ومؤسساتها، وبسط السيطرة على أكثر من 70% من الأراضي السورية، وهو عامل مشجع لأن يكون هناك مبادأة عربية تعيد سوريا إلى حاضنتها العربية، كمقدمة للسير بخطى عملية وبرعاية عربية، نحو إبرام ميثاق سوري تصيغه الحكومة والمعارضة معاً. وأن مايجعل ذلك ممكنناً، جملة المواقف المتوازنة لبقية الدول العربية من الموضوع السوري وعلى رأسها مصر والجزائر والعراق وتونس وبالطبع الأردن. هذا دون أن تبدأ الأمور من نقطة الصفر، بل من حيث ما تم الاتفاق عليه في اجتماعات الأطراف السورية في جينيڤ وأستانا وسوتشي وغيرها.
وأعتقد أنه الوقت المناسب لأن يأخذ العرب مجتمعين على عاتقهم استكمال خطوات الاتصال مع الأطراف الدولية والإقليمية المؤثرة، لوقف التدخل بالشأن السوري وانسحاب القوات الأجنبية، وتعزيز التحالف العربي بما في ذلك سوريا والعراق لاجتثاث قوى الإرهاب والتشدد وإخراج المرتزقة من على الأرض السورية.
اما فيما يخص الأكراد، فإنني أعتقد أنه الأسهل، فالأكراد والعرب بالنهاية «أمتان توأم» وإذا ما صفيت النوايا وتخلصنا من المؤثرات الخارجية، فإنه يمكن ترتيب الأمور في مناطق الكثافة السكانية للأكراد وفق مفاهيم الإدارة الذاتية في إطار سيادة الدولة السورية.
(٥)
وبعد؛ فلقد كان لي لقاءات وعلى فترات من الزمن مع رموز من المعارضة السورية وعلى هامش مؤتمرات فكرية وثقافية في عمّان واسطنبول ومكة وباريس والقاهرة، وأعتقد أن تغير المفاهيم وتبدل الأهداف لكل من سبق وانخرط في الموضوع السوري يمثل منصة جديدة لانطلاق عملية سياسية مؤهلة للنجاح. فالانفتاح الروسي الخليجي التركي وتضييق، مساحات الخلاف، سوف يشجع المعارضة والحكومة للتواصل واتخاذ خطوات جريئة إيجابية من شأنها أن تعيد لسوريا السلام ووحدة أرضها وشعبها. فسوريا قلب الجسد العربي، ولن يقوى الجسد على الحركه بقلب عليل.
والله، ومصلحة العرب، من وراء القصد.