في زمن الجائحة طغت أنباء الوباء واللقاح على اهتمام البشر في أرجاء العالم، والأمر مسوّغ بكون المرض المستجد عبارة عن فيروس فتّاك، سريع التحوّر وشديد الخطورة، كما أنّ القطاع الطبي وجد نفسه مضطراً للتعامل مع كائن غامض سريع الامتداد، لتكون قدرته المؤكدة على الانتشار مثاراً لذعر البشر، ناهيك عن أضراره الصحية التي أودت بحياة الكثيرين، وهكذا يأتي يوم الرابع من شباط لهذا العام والوسط الصحيّ يواجه تحدياً مثيراً للقلق اتجاه فئة من أبناء المجتمع ممن يخوضون معركتهم الخاصة مع المرض الذي لا زال يُشكل القضاء عليه حُلُم الإنسانية في كلّ الكوكب، فالسرطان كان ولا يزال المرض الأكثر خطورة والأشد فتكاً بالبشر، خاصة وأنه ينحدر بمناعة المصابين به إلى مستويات تجعل من وجود فيروس الكورونا المستجد ؛ الكابوس الأكثر رُعباً الذي يمكن أن يُضيف إلى معاناتهم معاناة مضاعفة ، لذا فإنّ يوم الرابع من شباط يحِلّ على الروزنامة العالمية حاثّاً على رفع مستوى الوعي بمرض السرطان، وساعياً لوضعه في دائرة الضوء، بهدف جذب انتباه الأفراد والمؤسسات الرسمية، ومؤسسات المجتمع المدني نحو المصابين به، ومحاولة استقطاب الدعم الحكومي والشعبي للحدّ من المعاناة الناجمة عن هذا المرض، والتدقيق في حجم تأثير الإجراءات والمداخلات الفردية على مستقبل المواجهة معه، خصوصاً وأنّ أثر هذا المرض يتفاقم كلّما تأخرت مراحل اكتشافه، ما يعني أن رفع مستوى الوعي والتمكين والمعرفة بسبل اكتشاف السرطان مبكّراً تُعد من أهم أسس مواجهته، ولهذا فإنّ أولى الأولويات التي يجب أن تتصدر برامج عمل القطاعات الصحية؛ تتمثل في دعم برامج الكشف المبكّر، وإتاحتها للجميع، بهدف استباق هجماته الشرسة، وتمكين المصابين به من امتلاك فرصة الانتصار عليه.
وتواظب منظمة الصحة العالمية على التحذير من خطورة مرض السرطان، الذي يفتك بحياة ما يقارب التسعة ملايين شخص سنوياً، ممن يعيش معظمهم في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، حيث يتم تشخيص إصابة حوالي 14 مليون شخص كل عام بالسرطان، ويبقى الحكم على مصير هؤلاء وفرصة بقائهم على قيد الحياة رهناً بتوقيت اكتشاف المرض، والقدرة على توفير العلاج، الأمر الذي يجعل حياة مرضى السرطان على مِحَكّ حقيقي.
أمّا في الأردن فإنّ مرض السرطان يُعتبر ثاني مُسبب رئيسي للوفاة وفقاً لسجل السرطان الأردني، ما يُضاعف من أعباء القطاع الصحي وهو يقف على خطّ المواجهة الأول في المعركة ضد السرطان وضد الفيروس التاجيّ المستجد معاً، ولا شكّ أنّ المهمة المُلقاة على عاتق مركز الحسين للسرطان وغيره من مستشفيات القطاع العام والخاص التي تتصدى لمكافحة هذا المرض باتت أكثر ثِقَلاً، في ظرف يتطلّب الالتزام اتجاه مرضاهم لتقديم المساعدة، واستكمال البرامج العلاجية الخاصة بكل منهم، إلى جانب تشديد مستوى الحرص على سلامة المرضى وعدم انتقال عدوى الكورونا لهم، ما يجعل الرسالة الأبرز في يوم الرابع من شباط لهذا العام؛ موجهة لكلّ فرد ولكلّ مؤسسة على أرض الوطن، بضرورة الالتزام بإجراءات الوقاية المفتاحية، فارتداء الكمامة ومسافات الأمان، ليست لوقاية الفرد وحمايته من العدوى فقط ، وإنما هي تعبير صادق ومخلص عن مدى الإيمان بحقّ أولئك الذي يرقدون على أسرة الشفاء من مرضى السرطان، في تجاوز مراحل العلاج بأمان، وهي مساعدة حقيقية في وقاية أولئك المرضى، ومنحهم فسحة استجماع شجاعتهم ومواجهة السرطان بعزيمة وإرادة قوية.
وفي غمرة ما يواجه المجتمع الإنساني خلال حربه مع الوباء، فإنّ حرباً صامتة لا زالت تدور في ميدان القتال مع السرطان، فأعداد الإصابات مرشحة للازدياد، وبخاصة في أوساط الفقر واللجوء، وحيث تلعب عوامل كالشيخوخة، والزيادة السكانية، وتنوّع مصادر الخطر حول البشر كتلوث الهواء، والتدخين، والابتعاد عن أنماط التغذية العضوية المتوازنة، وانتشار أمراض السمنة، وقلة الاهتمام بممارسة النشاط الرياضي، ما يلفت إلى ضرورة رفع مستوى الوعي العام إزاء أعراض هذا المرض، وتصحيح المفاهيم الخاطئة والخرافات المحيطة به، إضافة إلى حتمية العمل على توفير معدات الفحص اللازمة في مختلف المرافق الصحية لتشخيص المرض، الأمر الذي يتطلب تدريب كافة العاملين في القطاع الصحي لتمييز أعراض هذا المرض، ليكون التأكد من توفر العلاج الآمن والفعّال همّاً مشتركاً يعمل كافة أفراد المجتمع، ومؤسساته الرسمية، وقطاعاته الشبابية، وجهوده التطوعية، على تحمّل مسؤوليته، وذلك لكون علاجات مرض السرطان هي الأغلى ثمناً من بين مختلف أنواع الأدوية، الأمر الذي ينقل مواجهة هذا المرض إلى مستوى إنساني يتطلب جهداً جماعياً، وحرصاً فردياً على المشاركة في المعركة ضد السرطان بشكل منهجي مستدام لا ينحصر في يوم الرابع من شباط فقط، في آلية يتولّى الإعلام والإعلام الرقمي فيها مهمة التعريف بكيفية انخراط كلّ فرد من أبناء المجتمع في إدارتها، ومن ثمّ تشكيل الفرق التي تتولى مسؤولية تنفيذ هذه الآليات وتحويلها إلى خطط وبرامج عمل بالتنسيق مع الإدارات الحكومية المختصة، ليتم إدراجها في جدول أعمال مختلف المؤسسات والشركات ، التي يُشكّل دعم البحث العلمي في مجال مكافحة السرطان، وتقديم الدعم المادي لتوفير علاجاته ومساندة المرضى به، جزءاً أساسياً من بُنية عملها ونفقات أرباحها، ومسؤوليتها الحقيقية والفعّالة اتجاه الوطن وأبنائه.
وفي صباح الرابع من شباط، وتحت شعار » هذا أنا، وهذا ما سأفعل » فإنّ الإنسانية تستيقظ على صوت ملائكي يأتي عبر أعماق النفس، مذكّراً البشر في كلّ مكان بأنّ المصير وإن تعددت الأعراق والثقافات والمعتقد واحد في النهاية، فالهمّ الإنساني في كلّ مرة يأتي منبّهاً لتوحيد الجهود، والوقوف على جبهة واحدة أمام الخطر، وإنّ هذا الصوت في داخل كلّ منا يؤكد على أنّ مريض السرطان ليس وحيداً، فكلّ منا قادر على الحدّ من تأثير السرطان على مستوى الفرد والمجتمع والعالم بأسره، وإنّ مشاركة مريض السرطان في بعض رحلة العلاج الشاقة والقاسية، كفيلة بأن نعيد تقييم الطريقة التي نتفاعل من خلالها مع الحياة، فبقدر ما يضع السرطان المرء في مواجهة مع الموت ؛ فإنه يضعه ويضعنا في مواجهة أقرب مع الحياة، فيغدو الأمل بالشفاء، والنجاة من براثن المرض الخبيث، أكثر واقعية عندما يجد المصاب الدعم الكامل من كافة أفراد المجتمع، والحقيقة أنّ مركز الحسين للسرطان، ومراكز أبحاث وعلاج الأورام في القطاعين العام والخاص ؛ تُعتبر صروحاً إنسانية وطبية تستحق أن نفاخر بها، ونطمئن إلى وجودها، وهي تضمّ بين كوادرها طواقم مؤهلة على كافة الصُعُد، مستثمرة في طاقات وكفاءات أردنية جعلت من صحة المريض النفسية والجسدية مسؤولية عُليا، ومن الانتصار على السرطان غاية لا نقاش في بلوغها، حتى أصبحت قصص الناجين من السرطان في ازدياد، وقد عادوا أطفالاً وشباباً ونساء، ليرووا قصة الكفاح، والأمل، والشفاء.
Dr.Amer.Awartani@Gmail.Com
«هذا أنا وهذا ما سأفعل» مريض السرطان.. لستَ وحدكَ
12:00 4-2-2021
آخر تعديل :
الخميس