تمهيد
إن التهديد الذي تتعرض له اللغة العربية تهديد للأمة العربية ووجودها القومي العربي. فالأمة العربية، وبحكم تكونها وتطورها، وكما هو معروف، أمة واحدة بحكم ثقافتها العربية الواحدة. من جهة أخرى، تقوم الثقافة العربية الواحدة، وكما هو معروف أيضًا، على أساس مرتكزين رئيسيين. الأول، الاسلام، كفكر، وتراث، وحضارة، والثاني اللغة العربية كأداة للتواصل والتفكير وحافظة للتراث، ومن هذا المنطلق، تطرح هذه الورقة، عسى أن تكون فاتحة لحملة شاملة، لحماية اللغة العربية وتعزيزها وتطورها. وخير ما اختم به هذا التهميد هو تقديم الشكر العميق للأستاذ الدكتور خالد الكركي والأستاذ الدكتور عدنان البخيت والأستاذ الدكتور محمد السعودي والدكتورة شيرين حامد على ملاحظاتهم القيمة عليها. والله الموفق، وهو نعم المولى وهو نعم النصير.
المقدمة
بادئ ذي بدء، يجب أن أذكر أنني لست مختصًا باللغة العربية، ولا معلمًا لها، ولا باحثًا فيها. فأنا، ومثلي كثيرون، مواطن عربي لا يحب لغته العربية ويعتز بها اعتزازًا وحسب، بل يؤمن أن اللغة العربية مرتكز رئيسي وأساسي في انتمائه القومي، ويالتالي في وحدة أمته. ومن هذا المنطلق لا يقبل بأي صورة من الصور أن يساء إليها. وأنا بصفتي مواطنًا عربيًا، مثلي مثل كثيرين، يعمل ويقدم ما يستطيع لخدمة لغتة العربية. وفي هذا المجال أذكر أنه أتيحت لي فرصة أن أخدم لغتي العربية إلّا أنني أُ فشلت من مواطن عربي مسؤول لا يحب اللغة العربية ولا يسعى لخدمتها أو رعايتها.
لقد وجدت هذه الفرصة القيمة عندما ترأستُ الوفد الأردني، بصفتي وزيرًا للتربية والتعليم، في المؤتمر الأول للمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم، الذي عقد في الدار البيضاء في المغرب العربي. لقد طرحت في هذا المؤتمر فكرة جعل اللغة العربية اللغة الثانية للدول الإسلامية التي ليست العربية لغتها الأولى، وعندما ناقشت هذه الفكرة مع بعض الوفود الإسلامية وجدت قبولًا عارمًا لها، لا بل إن وفود بعض الدول–تعهّدتْ بدعمها ماليًا دعمًا كاملًا. وبناء على ذلك، وضعتُ- وبمشاركة وفود بعض الدول العربية والإسلامية مشروع قرار للمؤتمر العام يتبنى هذه الفكرة، التي تنص على أن اللغة العربية لغة ثانية، إن لم تكن الأولى لجميع الدول الإسلامية. وفي الجلسة الختامية للمؤتمر، وعندما قدّم رئيس المؤتمر القرارات التي اتُّخِذَتْ فيه، ولم يقرأ القرار آنف الذكر، الذي اتفق عليه جميع أعضاء المؤتمر، وعندما راجعته أجابني أنه شخصيًا أجّل الموافقة عليه للمؤتمر العام القادم. وهكذا أجهضت هذه الفكرة القيمة التي كانت خدمة كبيرة للغة العربية.
على أي حال، ومن أجل خدمة اللغة العربية، أكتب هذه المقالة، ولا أقول هذا البحث، التي تتشكّل من مجموعة من المعلومات والملاحظات والاجتهادات، هدفها خدمة اللغة العربية. ومن جهة أخرى، تأتي هذه المعلومات والملاحظات والاجتهادات تحت ثلاثة عناوين: الأول يتعلق - وبصورة عامة - بماضي اللغة العربية، والثاني يتعلق بحاضرها، والثالث يتعلق بمستقبلها.
ماضي اللغة العربية
ارتبطت اللغة العربية ارتباطًا وثيقًا بالإسلام، فاللغة العربية لغة الإسلام، والقرآن الكريم نزل بها، والرسول عليه السلام بشّر ودعا إلى الإسلام بها، وبانتشاره انتشرت وحددت حدود الوطن العربي، وبالتالي تشكلت هوية الإنسان في هذا الوطن. ولمزيد من التوضيح يمكن القول: قبل أن يبشر الرسول عليه الصلاة والسلام بالإسلام سنة 610م، كان الواقع اللغوي على أرض هذا الوطن متنوعًا بدرجة كبيرة جدًا، كانت لغة ما يعرف الآن بالمغرب العربي، اللغة الأمازيغية وبلهجاتها المختلفة. وكانت اللغة في مصر، اللغة القبطية. وكان في السودان غير لغة إفريقية، أما لغة بلاد الشام، التي كانت جزءًا من الإمبراطورية البيزنطية، فكانت بصورة عامة الإغريقية، وكانت العربية لغة سكانها العرب. وكذلك الأمر بالنسبة لبلاد ما بين النهرين، التي كانت جزءًامن الامبراطورية الفارسية، فكانت الفارسية، وكانت العربية لغة سكانها العرب، كذلك كانت اللغة الفارسية منتشرة انتشارًا واسعًا في شرقيّ الجزيرة العربية وجنوبيّها، بحكم وجود مواطنين فرس مقيمين فيها. أما اليمن ووسط الجزيرة العربية وغربّها فكانت العربية لغتها.
ولد الرسول عليه الصلاة والسلام سنة 571م، وبدأ ينشر الاسلام سنة 610م، وعندما هاجر عليه السلام إلى المدينة المنورة سنة 622م، أقام الدولة الإسلامية التي حدودها آنذاك حدود المدينة المنورة، كان دينها الإسلام ولغتها اللغة العربية. وعندما توفي عليه الصلاة والسلام سنة 632م كانت حدود الجزيرة العربية حدود الدولة الإسلامية، وكانت العربية لغتها.
بدأت الدولة الإسلامية تتوسّع، ناشرة الإسلام واللغة العربية شرقًا وغربًا. لقد بدأت الفتوحات الإسلامية سنة 634م، وفي أقل من قرن من الزمان، كانت الدولة الإسلامية تمتد من شواطئ المحيط الأطلسي حتى تخوم الصين. كان الإسلام دين هذه الدولة وكانت اللغة العربية لغة مواطنيها الرسمية.
واستمرت اللغة العربية اللغة الرسمية للدول الإسلامية منذ تأسيسها سنة 622م، وخلال خلافة الراشدين وملك الأمويّين والعباسيين، وما بعدها حتى انتقال السلطة إلى العثمانيين سنة 1516م عنْدما أصبحت التركية لغة الدولة الإسلامية. بالطبع ظلت اللغة العربية لغة المواطنين الرئيسية في الولايات العربية في هذه الدولة. وفي هذا الصدد يقال إن السلطان العثماني سليم وعندما فتح مصر سنة 1516 وبُويع بالخلافة، اراد أن تكون اللغة العربية لغة دولة الخلافة الإسلامية في العهد العثماني إلا أن احد الشيوخ افتى له بأنه لا ضرر من تكون لغة السلطنة العثمانية وهي التركية، لغة دولة الخلافة الإسلامية من منطلق أن اختلاف الالسنة أي اللغات من آياته سبحانه وتعالى.
بعد الحرب العالمية الأولى وسقوط الدولة الإسلامية سنة 1924م أصبحت اللغة العربية اللغة الرسمية للدول العربية التي أُسست فيما يعرف بالجغرافية السياسية بالوطن العربي من الدول الإسلامية. وقد دخلت إلى هذه الدول لغة الدول المستعمرة التي ظلت بعد الاستقلال تزاحم اللغة العربية بدرجات متفاوتة.
إن آثار اللغة التركية، كلغة الدولة الإسلامية، التي كان الوطن العربي جزءًا منها، لما يزيد على اربعمئة عام، كانت على اللغة العربية عميقة، وبعد سقوط الدولة الإسلامية، وخضوع أقطار هذا الوطن للاستعمار الإنجليزي والفرنسي والإيطالي، تأثرت - وما تزال - اللغة العربية تتأثر وبدرجات مختلفة بلغات الدول المستعمرة.
وباختصار يمكن القول إن الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عاشتها الأمة العربية خلال القرون الستة الأخيرة قد انعكست على اللغة العربية بصعوبات لا بد من التصدي لها حتى تعود إلى ما كانت عليه، لغة عالمية، تساهم مساهمة رئيسية في تطور المعرفة الإنسانية بجميع أبعادها.
حاضر اللغة العربية
تواجه اللغة العربية، في الوقت الحاضر، صعوبات وتحديات كثيرة وخطيرة، فعندما كانت اللغة العربية لغة العلم والعالم الرئيسية لما يزيد على عشرة قرون، أصبحت الآن لغة تعتمد على لغات العالم في كثير من أمورها. وقد ساهمت في إيصال اللغة العربية إلى هذا الواقع عواملُ كثيرة سياسية واقتصادية واجتماعية؛ لعل من أهمها أربعة: الأول يتعلق بموقعها في العالم الإسلامي، فبعد أن كانت لغة الدولة الإسلامية الأولى خلال خلافة الراشدين والأمويين والعباسيين والفاطميين أصبحت اللغة العربية لغة ثانية خلال عهد العثمانيين. والثاني يتعلق بأثر لغات الدول التي استعمرت الأقطار العربية بعد الحرب العالمية الأولى. والثالث يتعلق بالأنظمة التي تولت الحكم في هذه الأقطار؛ فأغلب هذه الأنظمة وحكوماتها لم تعطِ اللغة العربية الرعاية والحماية التي تتطلبها وتستحقها. والرابع، يتعلق بالتطور المعرفي، وخاصة في قطاعات تكنولوجيا المواصلات والاتصالات، وعالم الأعمال، والطب والعلوم، حيث يسود المحتوى الخاص بتلك القطاعات باللغة الإنجليزية شبكات الإنترنت والدوريات والمجلات العلمية.
وبصورة عامة يمكن القول إن الشواهد التالية توضح وبصورة عامة ومختصر بعض جوانب حاضر اللغة العربية:
1- تتعرض اللغة العربية في بعض الدول العربية لخطر داهم، باعتمادها لغة أحد مكونات شعبها لغةً رسمية أخرى لها بجانبها اللغة العربية. إن هذا الاعتماد يؤثر على وحدة شعبها، من منطلق أن اللغة هي العامل الأساسي والرئيسي في تشكيل التوجهات الفكرية والوجدانية الواحدة، في وحدة الشعب والأمة. بالطبع هذا لا يعني، ولا بأي صورة من الصور، تجاوز لغة أي مكون من مكونات أي شعب عربي، إلا أن هذه اللغة، لهذا المكون، لا يجوز أن تكون لغة رسمية بجانب اللغة العربية التي توحد الشعوب العربية وتخلق منهم لغة الوحدة.
2- تراجع كبير وخطير في مكانة اللغة العربية على المستوى العالمي في مجال العلوم والآداب، بعد أن كان موقعها في المقدمة ولقرون كثيرة خلت. ويعود ذلك، وبصورة عامة، إلى واقع التخلف الذي تعيشه الأمة العربية، والذي ينعكس أيضًا على اللغة العربية. حتى إن أهم الإنجازات العلمية والفكرية التى يقوم بها علماء ومفكرون عرب في الوقت الحاضر تكتب بغير اللغة العربية.
3- انتشار لهجات مختلفة في كثير من الأقطار على حساب اللغة العربية الفصيحة، وبدرجات متفاوتة، وتكمن المعضلة الكبيرة في أن هناك اختلافًا بنيويًا بين الكثير من اللهجات المحكية واللغة العربية. إن هذا الانتشار يؤثر على وحدة الأمة العربية. إن المواطن العربي قد لا يتواصل لغويًا إذا ما تحدث بلهجة محلية مع مواطن في دولة عربية أخرى.
4- تستسهل نسبة ليست بالضئيلة من المواطنين العرب استخدام مفردات وعبارات أجنبية في أحاديثهم، ويعجزون في كثير من الحالات عن استخدام المقابل من اللغة العربية، وتكمن خطورة هذه الظاهرة في انتشارها بين الشباب العربي.
5- إطلاق أسماء أجنبية، في أغلب الأقطار العربية إنْ لم تكن في جميعها، وبطريقة متزايدة، على مؤسسات تربوية واجتماعية وتجارية وصناعية.
6- نشر مقالات وكتب في كثير من الأقطار العربية وباللهجات المحلية لهذه الأقطار، فعلى سبيل المثال: وقبل فترة نشرت قصة بلهجة محلية لأحد الأقطار العربية. ومما يدعو إلى الاستغراب أن هذه القصة حازت على بالجائزة الأولى من إحدى المؤسسات التي تُعنى بالأدب العربي.
7- استخدام اللغة الأجنبية بصورة رئيسية في كثير من العلوم، وفي كثير من المؤسسات التعليمية في كثير من الأقطار العربية. والمؤسف أن بعض الأكاديميين العرب يدعون إلى استخدام اللغة الأجنبية لتدريس العلوم الطبيعية والرياضيات في مؤسسات التعليم العربية على مختلف مستوياتها.
8- استخدم نسبة كبيرة من القيادات العربية على مختلف مستوياتهم لغة أجنبية في المحافل الدولية، هذا مع العلم أن الترجمة الفورية متوافرة في كل هذه المحافل، وهذا السلوك لا يدل إلا على عدم الاحترام اللغة العربية وعدم الاعتزاز بها.
ومن المعروف أن الأمة الفرنسية من أكثر الأمم عنايةً بلغتها الفرنسية، حتى إنه يقال أن وزيرًا فرنسيًا طُرد من منصبة لاستخدامه كلمة إنجليزية أثناء إلقائة خطابًا في مجلس النواب الفرنسي.
9- اتخاذ بعض المؤسسات التعليمية والصناعية والتجارية وغيرها الحروف الأولى لاسمها باللغة الأجنبية شعارًا أو اسما تجاريا.
10- إطلاق كثير من المصانع ومؤسسات الإنتاج في كثير من الأقطار العربية على السلع التي يصنعونها أو ينتجونها أسماء أجنبية. إن هذا الأمر مسيء للغة العربية والأمة العربية، وكأن هذه اللغة عاجزة عن ذلك! وفي هذا الصدد لا بد من ذكر أن علماء العربية يقولون إن اللغة العربية غنية جدًا وتستطيع أن تقديم أسماء عربية لصناعتها ومنتجاتها.
11- استخدام بعض المدارس الخاصة، وبتزايد، اللغة الأجنبية، وفي أغلب الأحيان، على حساب اللغة العربية. إن بعض طلبة وخريجي هذه المدارس يتقنون اللغة الأجنبية ويستعملونها أكثر من إتقانهم للغتهم العربية واستخدامهم لها.
12- زيادة عدد محطات الإذاعة والتلفزيون وفي كثير من الأقطار العربية إذا لم يكن في كلها، التي تستخدم اللهجات المحلية لهذه الأقطار بدلًا من اللغة العربية.
13- كتابة الوصفات والتقارير وكشوفات التحاليل الطبية وغيرها بلغة أجنبية في أغلب الأقطار العربية إذا لم يكن في جميعها. بالمقابل هنالك دول لا يزيد عدد مواطنيها على عُشر مواطني الدول العربية تكتب جميع التقارير آنفة الذكر بلغاتها القومية.
14- عدم ارتباط كثير جدًا من البحوث والدراسات التي تتعلق باللغة العربية بواقع اللغة العربية وبقضاياها المعاصرة. لا بل يمكن القول إن بعض هذه البحوث والدراسات لا يتابعها إلا فئة محدودة جدًا من المعنيين.
15- ازدياد عدد العائلات في الأقطار العربية التي تتحدث الإنجليزية أو الفرنسية في بيوتها بدلًا من اللغة العربية.
16- وقوع نسبة كبيرة من المواطنين العرب في أخطاء لغوية أثناء استخدامهم العربية: أخطاء نحوية، وأخطاء صرفية، وأخطاء إملائية، وأخطاء خطية، إن هذا الواقع غير لائق وخطر، فعلى سبيل المثال: إن بعض المواطنين العرب من المتعلمين لا يميزون بين الـ ( ض ) و الـ ( ظ)، أو (ه) و (ة).
17- يلجأ الآباء والأمهات إلى مخاطبة أبنائهم باللغة الأجنبية ظنًا منهم أن هذا يعد هؤلاء بشكل أفضل للمستقبل المهني والوظيفي، وتقف معظم الأسر حائرة بين الإعداد للحياة والإعداد للوظيفة.
18- أدى انتشار العمالة المنزلية الأجنبية إلى أن ينشأ الأطفال والشباب على لغة أجنبية أو لهجات محلية مشوهة، وبدلا من أن تتعلم العاملات في المنازل اللغة العربية يتعلم الأبناء كلمات غريبة ويفقدون لغتهم العربية.
19- تفرض مراسلات البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي والمدونات والمواقع الإلكترونية، لغة مكتوبة جديدة فيها عبارات وكلمات غربية كثيرة أثرت بشكل ملموس على استخدام الشباب والأطفال للغة العربية. وباختصار يمكن القول إن اللغة العربية أصبحت تابعةً للإعلام وتضمحل يوميًا وتتشوه بفعل الإعلام ومستخدميه وسماتهم الثقافية والاجتماعية.
20- لم تعد اللغة المكتوبة ونصوصها الوسيلة الوحيدة للتعبير بل انتشرت بين الشباب والأطفال الرسوم والصور والرموز والإشارات في التطبيقات المختلفة؛ ولذلك أثره في طريقة تعبيرهم عن الانفعالات والمشاعر والعواطف.
خلاصة القول: إن واقع اللغة العربية في الوطن العربي ليس واقعًا مرضيًا للذين يحرصون ويغارون على لغتهم العربية، لا بل يمكن القول إنه واقع خطر على هذه اللغة وعلى مستقبلها ومكانتها. وهنا يجب أن يذكر مرة أخرى أن هوية الإنسان العربي مرتبطة بصورة أساسية ورئيسية بلغته العربية.
مستقبل اللغة العربية
إن مستقبل اللغة العربية، إذا ما استمر واقعها الحاضر على حاله قد لا يكون مستقبلًا سارًا زاهرًا كما يتطلع الإنسان العربي المعتز بلغته، سواء، كان مواطنًا أو عالمًا باللغة أو مختصًا بها. وخصوصًا أمام واقع، تتسع دائرة الذين يظنون به أن اللغة العربية لغة غير قادرة أن تحمل متطلبات الحياة المعاصرة، وخاصة علومها وتقنيتها.
إن التصدي لهذا الواقع يتطلب أولًا: التصدي للعامل الرئيسي الذي ساهم بتطوره. كما أن بعض الأنظمة العربية التي تولت مسؤولية الحكم بعد الاستقلال لم تعط اللغة العربية العناية الكافية ولا الرعاية، ولم تكفل سبل الحماية لها. وإن هذه الأنظمة تشجع، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لغة الدولة التي كانت مستعمرة لها في كثير من نشاطاتها وشؤونها.
ومن هذه المنطلقات يمكن القول إن العامل الأساس في تطوير واقع اللغة العربية الاهتمام الكافي الذي تستحقه من الأنظمة العربية وحكوماتها. وعلاوة على ذلك، على الأنظمة والحكومات العربية أن تقوم ومن خلال جميع مؤسساتها دعم اللغة العربية من خلال:
1- تعريف المواطنين في الأقطار العربية جميعها بأهمية اللغة العربية في هويتهم الوطنية والقومية. فالمواطن العربي عربي بثقافته العربية، وهذه الثقافة كما هو معروف تقوم أولًا وقبل كل شيء على اللغة العربية.
2- العمل، من خلال مؤسسات الدولة التربوية والثقافية والإعلامية، على تطوير العلاقة الوجدانية بين المواطن واللغة العربية والاعتزاز بها.
3- وضع التشريعات الحاسمة والزاجرة لمحاسبة كل من يسيء إلى اللغة العربية بقصد أو بغير قصد وبأي صورة من الصور.؛ فمن يسيء إلى اللغة العربية يسيء إلى كرامة الأمة.
4- الاستفادة من تجارب بعض الأمم في تطوير لغاتها القومية وتأهيلها لتواكب متطلبات الحياة المعاصرة بجميع أبعادها العلمية والاجتماعية والثقافية.
5- توعية المواطنين في جميع أقطار الوطن العربي، ومن خلال برامج إعلامية مكثفة ومتنوعة، بأهمية اللغة العربية وبالأخطار التي تتعرض لها، وبدور كل مواطن عربي في حماية لغته.
6- توجيه مؤسسات العمل العربي المشترك في الجامعة العربية والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم وغيرها، لتؤدي دورها قي خدمة اللغة العربية والعناية بها.
7- تبنّي آليات تكفل سلامة اللغة العربية في الإعلام المقروء والمسموع، وفي الإعلام الاجتماعي والمجتمعي، وفي الإعلانات والحملات الإعلامية، وفي لافتات أسماء المؤسسات والمصانع.
8- حشد جهود مجامع اللغة العربية، وعلماء اللغة، والناشطين والمنتصرين لها لضبط التجاوزات على اللغة، وتعميم استخدام اللغة السليمة كتابة ولفظًا في مختلف القطاعات العلمية والتجارية، وفي سائر مناحي الحياة.
وأخيرًا وليس آخرًا، إن لغتنا العربية، تعيش مرحلة صعبة وخطيرة جدًا، وسوف تزداد هذه المرحلة صعوبة وخطورة إذا لم يتم التصدي بسرعة وحزم ومسؤولية لكل العوامل التي أدت إلى هذه المرحلة وتصويبها جذريًا.
وفي هذا المجال يقع على عاتق مجامع اللغة العربية، وما يقوم مقامها المسؤولية الرئيسية والأساسية في حماية اللغة ورعايتها وتطويرها. وللأسف الشديد، إن أغلب هذه المجامع لا يقوم بوظيفته كما يجب. فبعض هذه المجامع، وللأسف الشديد أيضًا يكاد وظيفته تقتصر على نشر الدراسات والبحوث المتعلقة بالتراث اللغوي، وقلما يعنى بالبحوث والدراسات التي تتعلق باللغة ومتطلباتها من تطوير ورعاية وحماية. هذا، مع كل التقدير والاحترام لعلماء اللغة جميعًا، إلا أن أغلبلهم مقصر في خدمة اللغة وحمايتها وتطويرها ورعايتها وكما يجب.
ومن هذا المنطلق، إن واجب مجامع اللغة العربية أو ما يقوم مقامها، تطوير واقع أدائها بدراية وكفاية واقتدار، فواقع اللغة العربية في الوقت الحاضر واقع خطر وسوف يكون، وكما ذكر اكثر خطورة إذا لم تقم هذه المجامع بدورها وبسرعة وكفاية واقتدار.
من جهة ثانية، يجب أن تُعطى مجامع اللغة العربية وما يقوم مقامها، وفي جميع الدول العربية، الولاية المطلقة في كل ما يتعلق باللغة العربية من تطوير وحماية ورعاية. وبالمقابل إنْ تَطَّويرَ هذه المجامع لكي تتولى هذه المسؤولية المقدسة، قوميًا ووطنًيا، للقيام برسالتها ووظائفها وأهدافها. والله الموفق، ونعم المولى وهو نعم النصير.
اللغة العربية.. ماضياً وحاضراً ومستقبلاً
12:00 17-12-2020
آخر تعديل :
الخميس