أبواب

دور المعلم في تنمية الذكاء العاطفي للطلبة



أ.د. جودت أحمد المساعيد

خبير المناهج وطرق التدريس

profjawdat@yahoo.com

يتلخص دور المعلم الفعّال في تنمية الذكاء العاطفي أو الوجداني لدى الطلبة، بتعويدهم على تعلم المفردات والمفاهيم العاطفية، ومساعدتهم في استيعابها وترديدها، وتدريبهم على معرفة الحالات العاطفية المختلفة وفهمها وتمييزها، وتعويدهم على الشعور برعاية المعلم لهم وليس بسيطرته عليهم، وأخيراً إدراك المعلم نفسه باستمرار لعواطفه ومخاوفه الذاتية، كي ينعكس إيجاباً في تعامله المتواصل مع الطلبة. ويحرص المعلم النشط على تطبيق الخطوات السليمة لتدريس الطلبة كيفية استخدام استراتيجية الذكاء العاطفي، وذلك بأن يبدأ قبل الدخول للحصة الدراسية، بتفريغ عواطفه وانفعالاته إما بالتعبير بالكتابة عما يزعجه فعلاً أو بالحديث لأحد زملائه عنها، وذلك للدخول قدر الإمكان إلى الغرفة الصفية بنفسيةٍ متفائلة، وتجنب الحديث عن أي مشكلات خاصة به أمام الطلبة. وتأتي بعد ذلك خطوة التمهيد للحصة، والتي تتم بعرض فيلمٍ وثائقيٍ قصيرٍ، يحتوي على عددٍ من المشاهد التي لها علاقة بمادة الدرس وبالذكاء العاطفي، ليتم بعدها طرح عدة أسئلة على الطلبة للخروج باستنتاجٍ معينٍ يرتبط بعبارةٍ من عبارات الذكاء العاطفي، التي تعمل مجتمعةً على تعليم الطلبة كيف يفهمون ذاتهم ويقدرون عواطفهم وعواطف الآخرين، على أن يتم عرض عبارةٍ من عبارات الذكاء العاطفي على الطلبة لتوضيحها عن طريق ربطها بالمشاهد والأسئلة المطروحة في الخطوة الأولى.

وهنا يتم تعليم الطلبة مجموعة من العبارات بشكلٍ تدريجي لتطبيقها في حياتهم، بحيث يتم عرض عبارة واحدة في كل لقاء. فمثلا، العبارات المرفقة لكل لقاء بالترتيب تشمل الآتي: لا مقارنة مع الآخرين، فكل شخص منا يُعتبر حالةً مميزةً ومختلفةً، له كيانه وشخصيته المستقلة والمختلفة عن الآخرين. لذا، علينا التعرف إلى ذاتنا وقبولها كما هي، لكن يجب أن نعمل على إدارتها بالشكل السليم، وتطويرها حسب كل مرحلة نمر بها. كما أنه علينا أن نكون منطقيين في التوقع من أنفسنا ومن غيرنا، فالطبيعة الإنسانية ليست مثالية، لأنها تمر في العادة بمراحل مختلفة من التعب، والسعادة، والحزن، والألم، والنجاح، والفرح، وغيرها من الأمور. وفي الوقت ذاته على الإنسان أن يتعلم كيفية إدارة نفسه ومشاعره بحسب الظروف التي تحيط به، لا الشعور بالاستسلام والضعف والحزن، بل عليه التأقلم قدر الإمكان مع هذه الظروف واستغلالها للتحسين من قدراتٍ وإمكاناتٍ لم تكن واضحة بالنسبة إليه.

ومن العبارات الملائمة الأخرى أيضاً، أننا جميعاً لدينا مقدرة فطرية على كلٍ من التعلم، والاكتساب، والتغيير، والشفاء من ألمٍ سببته بعض أحداث الماضي، بحيث يكون لدينا المقدرة على تجديد حياتنا ثانيةً، وغيرها من الأمور المعيشية العديدة. وهذه المقدرة تظل كامنة لدى كل إنسان، لكنه يجب أن يتعلم كيف يُظهر هذه المقدرة ويستخدمها لتحقيق نجاحاته وصنع سعادته بنفسه وبيده، لا بالاعتماد على غيره، وأن الخطأ لا عيب فيه ما دام باستطاعتنا التعلم منه وفهم أسبابه. فالمهم أن يقوم الفرد بعمل أفضل ما عنده، وفي حال الخطأ، لا بأس أن يتعلم منه كي يتجنب أسبابه في المستقبل، أو يخفف من أثره، أو يعمل على تطوير المهارات التي اكتسبها، حتى تساعده في عدم الوقوع بالخطأ ذاته مرة أخرى، وأن بعض الأخطاء التي تحدث عند أي إنسان لا يتحمل مسؤوليتها الكاملة الشخص وحده فقط، بل توجد أمورٌ أخرى مؤثرة فيما يسمى بـ «دائرة المسؤولية» التي تجمع بين الظروف المحيطة، وتأثير الآخرين، وتأثير الشخص نفسه. ولكل واحدٍ من هذه العوامل نسبته في تحمل المسؤولية حسب الوضع أو الحدث. لذا، كل ما علينا أن نعرفه هو تحديد الأسباب التي أدت إلى حدوث تلك الأخطاء، وتحديد نسبة مسؤوليتنا الشخصية بصدقٍ تام، وذلك لمعالجة العوامل التي أدت بنا لحدوث ذلك الخطأ.

كذلك لا بد من تقبل الآخرين، وتقدير ما يمرون به من ظروف، كي يساعدنا هذا في تعلم كيفية إدارة علاقاتنا مع غيرنا، فعند مساعدة الآخرين، نخدم رغبتنا بالعطاء، ونعزز مقدرتهم على فهم ذاتهم، والعمل على تطويرها، مع الأخذ بالحسبان أن لكل منا قيمة إنسانية يجب تقديرها، وهذه القيمة لا تتغير بتغير القدرات أو الميول أو الحاجات، فقيمتنا الإنسانية ثابتة لا تتأثر بأي شيءٍ خارجي مثل الظروف أو الأحداث، أو الأمور الحياتية، وأنه إذا جعلنا أهدافنا مثالية، فإن هذا يعني أننا نعاكس طبيعتنا الإنسانية. أما محاولتنا الوصول للأفضل فهذه فطرة تدعم طبيعتنا الإنسانية وتجعلنا نتسم بالراحة والاطمئنان. كما يزداد شغفنا وإقبالنا على تحقيق أهدافنا، وذلك عندما تكون المتعة والسعادة في الطريق الذي نسلكه لإنجاز هدفنا أكبر بكثيرٍ من متعة الحصول على الهدف ذاته. ولا ننسى أن البداية بتجربةٍ جديدةٍ مفيدةٍ وبذل أقصى ما بوسعنا لنجاحها، متقبلين أنه قد تحدث أخطاء يمكن إصلاحها بفهم أسباب الخطأ، أفضل بكثيرٍ من أن نبدأها ونحن نخاف من الوقوع في الخطأ، لأن هذا الخوف سيعيق من تفكيرنا ويحد من إبداعاتنا.

ويظل التوازن في حياتنا أمرا مهما، فالاتزان في التعبير عن مشاعرنا سواء ما يزعجنا أو ما يفرحنا، ومشاعرنا نحو الآخرين، يجعلنا انسيابيين في التعامل معهم، تماماً كحركة السمكة في الماء. وبذلك نستطيع إيجاد التوازن بين حاجاتنا الشخصية العاطفية وحاجات الآخرين. فمثلاً: قد يقول شخص ما «أنا أعمل بأفضل ما لديّ، وأطور من مهاراتي التي ستساعدني في حياتي، متقبلاً أن التطور يحدث بطريقةٍ تدريجية، ولا يحدث بين عشيةٍ وضحاها»، ويقول شخص آخر «أنا حالة خاصة ومميزة ولا أحد يشبهني، ولديّ قدراتي وصفاتي التي تميزني عن غيري»، وكل هذا يبقى مُهماً لأنه من الضروري الشعور بالامتنان والرضا لكل ما هو جيد في حياتنا، حتى لو كان صغيراً، وعدم النظر إلى الأمور الجيدة على أنها مُسَلمات في الحياة.

أما في مرحلة الإجراءات، فلا بد للمعلم الفعال من تقسيم الطلبة إلى مجموعاتٍ صغيرةٍ غير متجانسة، بحيث يعرض صوراً أو أشكالاً أو نماذجَ أو عيناتٍ حسب حاجة الدرس إليها، وطرح عددٍ من الأسئلة تخص ما تمّ عرضه أو توزيعه، كي تتم مناقشة الطلبة فيه بجوٍ يسوده الاحترام المتبادل ما بينه وبين الطلبة، وتوزيع المهام على كل طالبٍ داخل كل مجموعةٍ بطريقةٍ تتناسب مع قدراته وميوله، مع ضرورة ملاحظة المعلم لأداء الطلبة وأنماط سلوكهم أثناء عمل المجموعات، بحيث يتم تسجيل كيفية تفاعل كل طالب مع زملائه، ومدى تقبله للمهمة التي أنيطت به، وعلاقته مع زملائه، لتسجيل كل ذلك في ملف الرسم الجماعي الخاص بكل طالب، وتحديد الوقت المتاح للإجابة بحيث تستغل كل مجموعة، قدرات أفرادها بطريقة جيدة ومدروسة. وبعدها يتم الطلب من كل مجموعة عرض ما قامت بإنتاجه أمام المجموعات الأخرى، وتعزيز كل طالب في المجموعة بالتعليق الإيجابي على ما قدمه (زيادة الدافعية)، ثم الطلب من باقي المجموعات مناقشة المجموعة بإجابات الأسئلة وتوضيح رأي أفرادها بهذه الإجابات، مع تحديد الوقت المتاح لكل مجموعة بعملية المناقشة، والتأكيد على مشاركة كل فرد منها بعملية المناقشة، وذلك بالاعتماد على ما ساهم به خلال الإجابة عن الأسئلة التي طرحت في بداية الحصة، ثم التأكيد على عدم مقاطعة أي طالب خلال عملية مناقشته لزملائه، وأهمية الإصغاء الجيد للتعليقات والاقتراحات والآراء المطروحة خلال تلك المناقشة (إدارة الانفعال).