لم يبرع المسؤولون الأردنيون خلال السنوات الأخيرة، إلا بقدرتهم على ترحيل الأزمات، ومراكمتها بعد أن يساهموا في صناعتها، حتى وصلنا إلى هذه الحالة التي لا نحسد عليها، وهي الحالة التي تحلى رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي بقدر كبير من الجرأة الأدبية، التي ترفع لها ولمن مارسها القبعات احتراماً، عندما اعترف في لقاء متلفز أن من أوصل الدولة إلى هذه الحالة هم «المسؤولون الذين تولوا المناصب... رؤساء الوزراء والوزراء والمسؤولون الذين تولوا الخدمة في الدولة...
وإذا كان الرجل قد حدد المسؤولين عن وصول الدولة إلى هنا، حيث نعاني جميعاً، فإن السؤال المهم هو كيف أوصلنا هؤلاء إلى هنا؟
جواب هذا السؤال عندي يكمن في ما قاله جلالة قائد الوطن عندما تحدث جلالته رافضاً العمل بأسلوب الفزعة في مواجهة الأزمات التي تواجهنا، وهو الأسلوب الذي طالما لجأ إليه المسؤولون، الذين يكون همهم التمتع بمزايا المنصب والانشغال بصورتهم الإعلامية، حتى إذا ما لاحت في أفق الوطن بوادر انفجار أزمة، سارع هؤلاء المسؤولون إلى العمل بأسلوب ردة الفعل وبالفزعة وطمأنة بعضهم بأنها أزمة و «بتعدي» حيث يتم تشغيل آليات ترحيل الأزمة بدل حلها جذريا.
لقد فعلوا ذلك في مواجهة كل أزمة مر بها وطننا، فلجأوا إلى الفزعة واعتادوا على تسكين الأزمات التي تواجه الوطن بترحيلها عبر التظليل الإعلامي وبالوعود البراقة، وبالاتصالات الجانبية وبالترضيات الفردية، دون الذهاب إلى المعالجة الجذرية للأزمة وتطوراتها التي أوصلتها إلى شفير الانهيار، وحال المسؤولين الأردنيين في مواجهتهم لأزمات الوطن كحال الطبيب الذي يعالج المرض الخطير بالمسكنات، على أمل أن يطيل عمر المريض أياما، أو على أمل أن يموت هذا المريض على يد طبيب آخر.
أسلوب تسكين الأزمات وترحيلها الذي مارسه المسؤولون الأردنيون، هو الذي أوصلنا إلى هذه الحالة التي نقف فيها بمواجهة بركان من الأزمات المتدحرجة، شجعهم على ذلك غياب المساءلة، فصار المنصب العام عند الكثيرين منهم مجرد فرصة لتحسين الوضع، وتحسين التقاعد، وإضافة فقرة إلى سيرهم الذاتية، وجسر مرور لوظيفة دولية وعلى الأردنيين «تقليع شوكهم بأيديهم».
هذا النمط من المسؤولين صاروا أزمة يعاني منها الوطن لأنهم صاروا عبئاً على الوطن وعلى قائد الوطن، فقد صار جلالته مضطراً للتدخل والتوجيه حتى في التفاصيل، إلى درجة شرح جلالته كيفية لبس الكمامة، وبمثل هذا القائد تجتاز الشعوب أزماتها، لكن بمثل هؤلاء المسؤولين تزيد أعباء القائد وتتفاقم أزمات الوطن فتصل إلى مرحلة ما «بتعدي» منها الأزمات، وهذا هو الخطر الحقيقي الذي نواجهه.
Bilal.tall@yahoo.com
مواضيع ذات صلة