كتاب

الدولة الرخوة

وردتني العديد من التساؤلات والاستفسارات عن مفهوم (الدولة الرخوة), الذي يتم تداوله على جدران التواصل الإجتماعي، وكنت في مقال سابقً قد كتبت عن (دولة القانون بين النظرية والتطبيق), التي تخضع للقانون بكافة مكوناتها مؤسسات وأفراد. وهي الدولة القائمة على مبادئ العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات, تحت طائلة المساءلة القانونية (جزاء), ولا يوجد بها استثناءات, وإن وجدت في بعض القوانين تكون لأسباب يحدد القانون آليات استخدامها, شريطة عدم جواز التوسع بها او القياس عليها.

إن من المميزات الجوهرية لدولة القانون,أنها تُخضع نفسها وأعمالها وإجراءاتها وعلاقاتها, سواء فيما بينها أو بينها وبين مواطنيها, الى مبدأ التوازن ما بين (الحقوق والواجبات) بعدالة ومساواة دون تمييز. وإن أي إخلال بتطبيق هذه المعادلة يعتبر إخلالا بجوهر دولة القانون. وبالعادة يتم ذلك ضمن ضوابط قانونية لا يتم التعدي فيها على حقوق وحريات المواطنين, مقابل التزام تام من المواطنين بالقيام بالواجبات المترتبة عليهم. ففي هذه الحالة تسمو المصلحة العامة على المصالح الشخصية، فإذا طغت المصالح الشخصية على المصلحة الوطنية في تطبيق القانون, تدخل الدولة في مرحلة جديدة يطلق عليها (الدولة الرخوة).

وأول من استخدم هذا المصطلح هو الاقتصادي السويدي (جونارميردال)، الحاصل على جائزة نوبل للسلام في الإقتصاد عام1974، في كتابه «الدراما الآسيوية» (بحث في فقر الأمم) والذي نشر عام 1978ولقد حاولت أن أجد تعريفا قانونيا أو سياسيا لمفهوم (الدولة الرخوة), فلم أجد أي نص يفيد ذلك, وإنما فقط توصيف لواقع حال الدولة في مرحلة ما, التي تتراجع وتفقد هيبتها وقدرتها على تطبيق القانون,على الرغم من أنها ما زالت تحتفظ بشكلها القانوني, إلا أنها أشبه بالإنسان المريض, الذي يعاني من الضعف والهزلان, وعدم القدرة على الحركة. فتدخل بذلك الدولة مرحلة الارتخاء, ومن ثم تصل في نهاية المطاف الى مرحلة (الدولة الفاشلة) التي تسمو فيها المصالح الشخصية فوق كل اعتبار, فتصبح الدولة (مطية) بأيدي فئة أو أشخاص معينين. إن أخطر مظاهر الدولة الفاشلة عندما يصبح القضاء بيت العدالة, والمكان الذي يلجأ اليه المظلوم مأجوراً وفاسداً ومسيساً, يخضع في أحكامه لأهواء أصحاب النفوذ, ويطبق على الضعفاء فقط..

على الرغم من غياب تعريف لمفهوم الدولة «المرتخية», فإن لهذه الدولة مظاهر عديدة, لا يتسع المقام للحديث عنها بالتفصيل, ولكن يمكننا القول: إن من أهمها أنها الدولة التي فيها (السلطة والمال وجهان لعملة واحدة)، وأنها التي فقدت ثقة شعبها، وتراجعت بها هيبة الدولة، وأنها الدولة التي تطغى فيها المصالح الشخصية على المصلحة العامة، وينتشر فيها الفساد المالي، وهي الدولة التي يفقد فيها المواطن الشعور بالإنتماء وعدم الأمان, بسبب الشعور بالظلم وعدم المساواة، وهي التي يكون فيها التعليم والصحة في ذيل اهتمامات الدولة، والنتيجة تفسخ المجتمع والوصول لمرحلة الدولة (المريضة الفاشلة) التي تصل في النهاية إما لثورة شعبية تنجح بالتغيير أو مواجهة دامية مع السلطة تنتج فوضى وحروبا.