يمكننا تلخيص القانون الدولي بأنه: «مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقة بين الدول أو بين الدولة والهيئات والمنظمات الدولية». وتعتبر المعاهدات والاتفاقيات المصدر الرئيس لقواعد القانون الدولي، ومن ثم المبادئ العامة المتفق عليها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن القانون الدولي قانون رضائي وليس إلزامياً إلا في الحدود الدنيا، فما زالت شخصية الدولة ذات السيادة تطغى على العلاقات بين الدول.
إن الحديث عن التعاون الدولي في مجال الصحة, يقودنا مباشرة الى الجهة الدولية صاحبة الاختصاص، المعنية على المستوى الدولي في التعامل مع الشؤون الصحية، ألا وهي (منظمة الصحة العالمية) التي أنشئت كمنظمة متخصصة من قبل منظمة الأمم المتحدة عام 1948، ومن ضمن مسؤولياتها الصحية، التعامل مع الأوبئة والأمراض التي تنتقل بالعدوى، وتصنيفها حسب خطورتها. وتقوم بتوجيه الإرشادات وتحديد الآليات التي يتم بموجبها تعامل الدول مع تلك الأمراض والأوبئة. وقد عرفت المنظمة الوباء العالمي بأنه: «الوضع الذي يكون فيه العالم بأكمله معرضاً على الأرجح للإصابة بهذا المرض, وربما إصابة نسبة كبيرة من السكان».
ووفقا للمنظمة، يصنف انتشار الأمراض في العالم إلى ثلاث حالات هي: (المتوطئة) والتي تصيب دولة بعينها مثل: انتشار مرض (الكوليرا) في اليمن, والنوع الثاني (الوباء) والذي يصيب أكثر من دولة, والتي تتخذ بها الدول المعنية الإجراءات التي تراها مناسبة لمنع انتشار المرض, والتصنيف الثالث والأهم هو (الجائحة) والتي ينتشر بها المرض على مستوى العالم, والتي تحتاج إلى تعاون دولي كبير في مكافحة المرض. وبالعودة إلى ما يواجهه العالم الآن، يمكننا القول أن البشرية شهدت انتشارا كبيرا لبعض الأوبئة مثل: الطاعون والكوليرا والإنفلونزا المتعددة مثل: إنفلونزا الخنازير والطيور, ولكن لم يشهد التاريخ انتشار وباء بهذه السرعة والقوة مثل جائحة كورونا, رغم أن أعداد الوفيات لم تصل الى المليون وفاة على مستوى العالم, فإن أعلى حالات وفاة سجلت كانت عام 1918 لما عرف بجائحة (الأنفلونزا الإسبانية) التي راح ضحيتها ما يقارب ال (50) مليون شخص حول العالم.
إن الحديث عن التعاون الدولي في مكافحة جائحة كورونا, رغم دخول المرض في أغلب الدول المرحلة الرابعة، ألا وهو (الانتشار المجتمعي)، حديث محزن، فقد كان من أهم أسباب الانتشار السريع للمرض بين الدول, هشاشة وضعف التنسيق والتعاون بين الدول في مكافحة المرض, إلى ادنى مستوياته, وظهر لنا جلياً حجم الأنانية والصراع حتى في التكتلات الإقليمية الدولية مثل: الاتحاد الاوروبي وطغيان مفهوم مصلحة الدولة أولاً أو السيادة الوطنية. في حين اتجه البعض, لا سيما الدول الكبرى إلى استغلال الجائحة لتصفية الحسابات السياسية، وتبادل التهم التي طالت حتى منظمة الصحة العالمية نفسها، وظهر جليا التنافس غير الشريف أو غير الودي، وفي كثير من الأحيان غير الأخلاقي والتجاري في الترويج لاكتشاف علاج أو مطعوم للمرض.
وفي النهاية أقول أن المتضرر الأكبر من تفشي المرض هو: الدول الفقيرة أو الضعيفة اقتصادياً التي لا تملك القدرة على الاستمرار في مجابهة المرض والمهددة بانهيار نظامها الصحي ونظامها الاقتصادي، فالعالم الآن يحتاج الى إعادة النظر بشكل التعاون الدولي في التعامل مع الجائحة، باعتبارها لا تهدد استقرار الدول فقط، بل وتهدد الإنسانية جمعاء.
مواضيع ذات صلة