المهندس سمير الحباشنة
الأمة مُكتملة التكوين، حالها حال القمر كامل الاستدارة – البدر..
فالقمر البدر.. كينونة حية، منيرٌ ويُنير على ما حوله، صحيح أن ضوءه مُستمد من الشمس، ألا أنه قادر على توظيفه و إعادة إنتاجه ليكون وسيلته بالاعلان عن حقيقة وجوده.. بهيئته المميزة المغرقة بالجمال، جمال لا يطاوله أي نجم آخر، من تلك التي تعج بها سماء الله سبحانه..
وللقمر البدر، حدود و معالم واضحة، وتضاريس متباينة مشاهده بالعين المجردة، منها المرتفعة، وأخرى المنخفضة والمنبسطة كذلك.. تباينٌ ليس أختلافا، أنما تنوعٌ يؤكد على حقيقة أن للقمر كينونة واحدة مميزة.
****
والأمم الأنسانية مثل حال القمر، منحوتات أسهمت الطبيعة والحياة والمقادير والروح البشرية بتكوينها.. و لكل منها سمات خاصة، إلا أنها قد تتشارك مع غيرها في بعض السمات تأخذ من الآخر وتعطيه.. حال القمر الذي يأخذ ضياءه من الشمس فيُعيد بثه.. نحو الآخر..
والأمم مثل القمر.. لكل منها مكونات خاصة.. يستطيع الحس الأنساني أن يتلمس سمات كل أمة، المادية منها و المعنوية، وأن يميزها عن غيرها من الأمم الأخرى..
****
أن ما ينطبق على حال الأمم ينطبق على العرب، كأمة مكتملة التكوين.. كنتاجٍ لنحت تاريخي طويل، تفاعل به العام والخاص/ الذاتي و المكتسب/ الجغرافيا /التاريخ / المعنوي والمادي/ مدها بميزاتها الخاصة بها. و أن أمة العرب على المدى كانت إيجابية.. تُعانق حضارات الأمم الأخرى تأخذ منها وتُعطيها.. تماماً مثل حالة القمر / البدر وضوئهِ..
فالعرب، يعيشون منذ أمد بعيد على جغرافيا ممتدة من مورتانيا على الأطلسي.. الى العراق على تخوم فارس.
جغرافيا لا ينازعهم أحدٌ عليها، اللهم ألا في بعض أوقات ضعف العرب وأستقواء الآخر عليهم، هذا الآخر الذي يحاول التمدد على حساب الجغرافيا العربية.. فينجحُ في أوقاتٍ.. لكنه نجاحٌ مؤقت و لا يلبث أن يزول.
فالأرض العربية كما هي عند "فؤاد حداد" و"سيد مكاوي:
"الأرض بتتكلم عربي بوجد وشوق
الفرع اللي يهم لفوقْ
ولأجل الجذر بشم الضوء.. الخ"
****
نعم، هي أرض الأمة التي تعاقبت عليها أجيال و أجيال موغلة في عمق التاريخ، فكان النتاج وطناً متفّرداَ بثقافتهِ، والتي ميزت الحياة العربية بمحتوىٍ حضاري واحد.. تاجه المعنوي اللغه، وبامتداد مادي واضح وضوح القمر البدر.. وهو ما أتاح لحياتنا العربية أن تستمر وأن تنمو وأن تترسخ.
فأمة العرب شبه القمر، أعراق وألوان وعقائد أنخرطت جميعها في لوحة فنية مصفوفة بانسجام وتكامل خلاب..
فالعرب ربما من أوائل الأمم التي حولت الاختلاف الى تنوع، ذلك أن الاختلاف يُفضي الى الدمار والتصدع.. أما التنوع فأنه يحمل التقدم والرُقي.
وأن الأديان والطوائف والمذاهب في وجودنا العربي.. وما أكثرها، عوامل وحدة لا عوامل تفرقة.. فخصوصية العقيدة انتماء فرعي، يندرج تحت الانتماء الأكبر "العروبة".
فالعربي المسلم والعربي المسيحي، واليهودي "قبل أسرائيل" والصابئي هي مكونات فرعية تحت يافطة أكبر.. الأمة وهويتها.. وينسحب ذلك على التفرعات الدينية، على السني والشيعي والماروني والأرذدوكسي.. الخ.
وأن الأمازيغي والشركسي والألباني والكردي والأرمني.. وغيرهم أنخرطوا في وعاء الأمة، دون أن يفقدوا خصوصيتهم ودون أن يؤثر ذلك على وحدة الأمة. هي مثل تضاريس القمر لا تنفي كينونته الواحدة.. بل تؤكدها..
****
فالعرب كما قُلنا مبادئون باجتراح التنوع.. كأساس لبنيتهم الأنسانية والأجتماعية، اجتراح يشبه تضاريس موطنهم الشاسع الذي يحتوي على الفيافي والسهوب والجنان والبحار والأنهار والمدن والبوادي والأرياف.. الخ.
وحتى نُثبتُ هذه الحقائق التي تختلط بها المشاعر مع الواقع، أسوقُ أمثلة:
فما رأيكم في المتنبي وأبو فراس الحمداني والجواهري وعبد الرزاق عبد الواحد والطيب صالح وسميح القاسم ومحمد علي الكبير وجورج طرابيشي وصلاح الدين الأيوبي وعبد المنعم رياض وخالد هجهوج المجالي ونورس اليعقوب وجول جمال وعز الدين القسام وجمال عبد الناصر والملك حسين وياسر عرفات والشيخ زايد وهواري ابو مدين، وغيرهم..؟؟
وسلطان باشا الأطرش "قائد الثورة السورية الكبرى". وفارس الخوري بطل الأستقلال في سوريا، الذي تسلّم بإجماع نواب البرلمان المسلمين وزارة الأوقاف في سوريا. والشريف حسين "أبو الثورة العربية الكبرى" وعمر المختار وعبد القادر الجزائري وسعد زغلول.
ولا يغيب عن بالنا كذلك أبطال ثورة العشرين في العراق أو حرب الثماني سنوات مع أيران، وجُل جيش العراق من العرب الشيعة.
هل يمكن أن ننسى هؤلاء ونتوقف فقط عند دينهم أو مذهبهم أو طائفتهم.. ونتجاهل أفعالهم العظيمة في خدمة العروبة!؟
عربٌ مختلفو الديانة والمذاهب والهويات الفرعية لكنهم وهبوا لعروبتهم أعمارهم وقدراتهم ونضالهم و أبداعاتهم كلٍ في مجالهِ. وحين ننظر الى الوراء ونتقفى أثرهم أنما نراه أثراً واحداً نحو هدفٍ واحد لكن بأدوات مختلفة، وكأنهم فرقة أوركسترا كلٌ يعزف على آلتهِ، لكنهم جميعاً يعزفون نفس اللحن.. "لحن العروبة".
****
وبعد، كلُ ما نرى اليوم من شقاقات على أُسس طائفية أو مذهبية أو مناطقية هو استثناء، والقاعدة أننا أُمة نتنسمُ شذى وجودها الأزلي الواحد ولابد من أن يتوارى الأستثناء وتعود الأمور الى طبيعتها..
والله ومصلحة الأمة من وراء القصد..