في أيام الحظر, تلخصت اتجاهات الرأي العام في طناجر (ورق دوالي والكوسا).. لدرجة أني تمنيت لو أن كتلة انتخابية حملت هذا الاسم, فلقد تم نشر ما يقارب من الف صورة, لعملية سكب الطناجر.. كان هذا الاتجاه الطاغي.
تلا ذلك اتجاهات أخرى, وهي القبور... فقد نشر الشعب الأردني مئات الصور, لقبور من رحلوا.. ولو أن الفيس بوك يعطي خاصية (اللطم والنواح) لنشر مع هذه الصور مئات الألوف من حالات اللطم, وتلك ملاحظة مهمة يجب أن تسجلها إدارة الفيس بوك, حتى تتماشى مع الصورة... كنت أسأل نفسي أحيانا, هل من يذهب للمقبرة لزيارة عزيز عليه.. حقا يملك شعورا حزينا حين يمسك الهاتف ويبدأ بتصوير القبر؟..
من الاتجاهات الأخرى التي تسيدت في الفيس بوك أيضا, اتجاهات الحب.. فالكثير من الناس نشروا صور الأشقاء, وذيلوها بعبارات.. (أخي وسند ظهري), (عزوتي وتاج راسي) ..الخ, لدرجة كنت تشعر فيها أنك تعيش أجواء معركة (ستالينغراد).. أحسست أنهم سيغادرون لمقاومة الزحف الألماني, مع أنني أعرف شقيق أحدهم.. فهو مطلوب لشيكات بدون رصيد, يبدو أنه سيغادر للسجن والشقيق الأصغر.. اعتبر الشيكات معركة, والسجن انتصار.
حاولت أن أقيس اتجاها سياسيا مثلا, أو اتجاها شعبيا.. ولكن الأمور كانت مبهمة لحد كبير.. فالاتجاهات التي تسيدت الفيس بوك, كلها في أغلبها عاطفية.. منها مثلا سيدة نشرت صورة لشقيقتها الكبرى أم محمد, وكتبت تحتها عبارة: (اختي الكبرى الحنونة التي كانت لي مثل أمي).. ولكن الغريب أن أم محمد كانت في الصورة جالسة على خزان ماء سعة (2) متر.. وكنت أسأل كيف صعدت هذه الأم الحانية إلى الخزان يا ترى؟..
شاهدت الكثير من الأشياء, ولكني أعترف أننا بدون اتجاه.. ربما الاتجاه الذي بقي حاضرا لدينا في (الفيس بوك), هو الطناجر فقط... والمشاوي وعقال أبو محمود, والمستلزمات المتعلقة بعملية الحظر..
لقد تعلمت في المرحلة الإبتدائية أن البوصلة تحدد الاتجاهات, لكني لم أشاهد في حياتي بوصلة تشير إلى طناجر (ورق الدوالي والكوسا).. يبدو أن بوصلتنا.. استبدلت كل الاتجاهات.. لا بل غيرتها, نحن الوحيدون الذين أنتجنا بوصلة.. تشير إلى الطناجر فقط.
[email protected]
