اجتياح فيروس كورونا معظم أرجاء العالم وما يحدثه من آثار عميقة في حياة الإنسانية جمعاء يجعل من الضرورة البالغة التفكير في توجيه ماكينة العولمة لمواجهة ما يتهدد العالم من تبعات ثقيلة سيعاني منها الجميع دون استثناء، ولقد كان جلالة الملك عبدالله الثاني أول قادة العالم الداعين لإنجاز خطوات واضحة في هذا الاتجاه حينما خاطب الجميع عبر مقالته في صحيفة واشنطن بوست ' إعادة ضبط العولمة' مقابل دعوات تفكيكها.
يرى الكثيرون أنَّ العولمة تمثل تهديداً كبيراً لثقافة ومصالح الشعوب ويجب أن نعمل على وقف تأثيرها السلبي، في حين لا يدرك هولا أن حركة العولمة ليست نتاج أنظمة عالمية أو أنها أداة تم تصميمها لتحقيق انتصارات ومكاسب لجهة ما مقابل جهة أو طرف آخر، لقد برزت العولمة كظاهرة عالمية تلقائية بفعل التطور والتكنولوجيا الحديثة في التواصل البشري حيث زادت فرص المزج الثقافي، ويعي الجميع أنَّ العولمة قد خدمت وعززت ثقافة الشعوب الأكثر حضوراً على الساحة العالمية وهذه مرده للرصيد الكبير من الإنجازات لهذه الشعوب في تطوير النظم السياسية والاقتصادية الفاعلة على أرض الواقع قياساً لما هو في الكثير من دول العالم.
مفهوم العولمة برز حديثا كنتيجة طبيعية للثورة العلمية والتكنولوجية، والتقـدم فـي
مجال الاتصالات والمواصلات وتكنولوجيـا المعلومـات، والتطـور الـسريع للرأسـمالية العالميـة، حيث عملت هذه العوامل مشتركة على التقارب الثقافي وتنامي حركة تبادل المعلومات وأنماط السلوك والممارسات بين شعوب ودول العالم، ولقد أحدثت العولمة تأثيراً كبيراً على معظم أبعاد التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية في العالم، ولقد كانت حركة التأثير في الغالب باتجاه الدول الأقل قدرة على إحداث تنمية حقيقية، والتي تمتلك مراتب متواضعة على كافة مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، حيث تعاني هذه الدول من أنظمة سياسية وتعليمية واقتصادية غير منتجة وذات فعالية محدودة، وتأمل شعوب هذه الدول اللحاق بركب الدول المتقدمة والصعود إلى قاطرة التنمية.
ورغم أنَّ البعض يحصر العولمة في المجال الاقتصادي غير أنَّ الواقع يشير إلى تأثير العولمة في جميع مجالات الحياة الإنسانية، فهي عملية اجتماعية تتجاوز تفاعلاتها الحدود والجغرافيا، ويمكن أنّ تعمل دول وشعوب العالم ضبط حركة العولمة وتوجيهها صوب خدمة البشرية ومواجهة التحديات التي تجابه الجميع، لقد تبين خلال جائحة كورونا أنَّ العالم أمام مصير مشترك وأنَّ الجميع بحاجة للتعاون والعمل المشترك ضمن منظومة قيم المواطنة العالمية وأهمها حق الجميع أن يعيش حياة كريمة خالية من تبعات الحروب والفقر والتشرد والأمراض.
لقد فقد الكثير من الأطباء والطواقم الطبية من جنسيات وأصول متعددة حياتهم جراء فيروس كورونا وهم يقومون بواجبهم الإنساني في أميركا وأوروبا بعد أنَ جاءوا من دول بعيدة طلباً للعلم والمعرفة، فهل تعمق كورونا إحساس البشرية بحاجتها لقيم العولمة الإيجابية المنضبطة، إنها رسالة ودعوة من جلالة الملك وهو يستشرف مستقبل العالم مؤكداً أنه لا بديل عن التعاون والعمل المشترك، فلا يوجد بلد واحد يمكن أنَّ ينجح بمفرده، كما أنَّ إخفاق بلد واحد هو إخفاق لنا جميعاً كما قال جلالته.
Rsaaie.mohmed@gmail.com
مواضيع ذات صلة