كتاب

تفاءلوا بالخير

أشعر أحيانا وأنا أتابع ما يدور من حوارات حول مستقبل الأردن الاقتصادي، أنني استمع إلى نعيق غربان، واحضر مأتم لطم كل من فيه نائحات مستأجرات، يرددن ما حفظنه عن ظهر قلب، بلا مشاعر، لأنه لا علاقة لهن بالمصاب ولا بأهله، تماما مثلما إن بعض الذين يتحدثون عن اقتصاد الأردن، على ضوء ما سمعوه من نظريات اقتصادية، تصلح (لطق الحنك) لكن لا أثر لها على أرض الواقع، فمعظم الذين صنعوا تحولات اقتصادية كبرى، او إنجازات اقتصادية ضخمة، لم يكونوا خريجي كليات اقتصاد ولا محللين اقتصاديين، لكنهم كانوا أبناء بيئتهم وصناع إرادتهم. وتجربة مهاتير محمد في أندونيسيا وغيرها خير دليل على هذا القول.

ومع تسليمنا بأهمية النظريات العلمية، فإن علينا أن نتذكر ان من النظريات العلمية خاصة في العلوم الإنسانية ومنها الاقتصاد، انه ما قد يصلح لبيئة قد لايصلح لغيرها، فلثقافات الشعوب وعاداتها أثرها على فعل النظريات وكذلك للجغرافيا.

نعود للحديت عن الاقتصاد الأردني، فبعيدا عن نعيق الغربان، ولطم النائحات المستاجرات، فإن أصحاب الخبرة العملية الممزوجة بالمعرفة الأكاديمية و بالتجربة الوطنية يقولون: إن الاقتصاد الأردني هو من حيث المبدأ اقتصاد صغير، وإن الاقتصاديات الصغيرة أقدر من غيرها على التكيف َمع الأزمات والخروج منها، ليس بأقل الإضرار فقط، بل وأحيانا بمكاسب، ولدينا تجربتنا مع الأزمة المالية العالمية التي دوخت اقتصاديات كبرى بينما خرجنا منها بسلام، فلماذا لا نفكر بهذا المنحى الإيجابي، ولدينا أسباب كثيرة تشجعنا عليه.

اول هذه الأسباب، ان القيادة الأردنية لأزمة فيروس كورونا قدمت نموذجا عالميا يحتذى، عجزت عنه دول كانت تصنف بانها عظمى، وهي نفس القيادة التي تفكر باستيعاب كل تداعيات هذه الأزمة وأولها التداعيات الاقتصادية، فلماذا لانكون عونا لها بالتفاؤل لا عبئا عليها، بتشاؤم

البعض وبإصراره بأن يهرف بما لا يعرف.

تلك واحدة، أما الثانية فهي ان الاقتصاد الأردني مر بمراحل أشد صعوبة خلال الاوقات السابقة، لكنه صمد أمامها، فلماذا ننسى إننا كنا بلدا محاصرا بفعل تداعيات (الخريف العربي) في دول الجوار، وإنه كان مستهدفا من التنظيمات الإرهابية المسلحة، مما جعل معظم قواتنا المسلحة و أجهزتنا الأمنية مستنفرة على مدار الساعة ولسنوات عديدة حماية لأمننا الداخلي، وحماية لحدودنا البرية التي كانت مغلقة، بكل ما لذلك من كلف اقتصادية، بالإضافة إلى تعرضنا لضغوط هائلة خاصة اقتصاديا، لتغير مواقفنا والتورط عسكريا في أحداث المنطقة، أو لتمرير بعض الصفقات على حساب الشعب الفلسطيني، لكننا صمدنا وحمينا اقتصادنا من الانهيار، مثلما حميناه من تداعيات حرب الخليج الثانية، علما بأن ظروفنا الآن أفضل، فلن تكون هناك ضغوط علينا،وقد تتلاشى التنظيمات الإرهابية، وربما يتجه العالم إلى صيغ تعاون أفضل مما هو عليه الان، ناهيك عن ان حدودنا قد تفتح بأية لحظة، مما سيكون عاملا رئيسيا في دوران عجلة الكثير من قطاعاتنا الاقتصادية.فلنستعد لذلك بالعمل الجاد.

سبب آخر يدعونا للتفاؤل، هو أننا قدمنا نموذجا عالميا في إدارة هذه الأزمة العالمية صار محط إعجاب العالم واشادته، مما قد يشجع الكثير من المستثمرين للقدوم إلى هذه البيئة الآمنة للاستثمار بها لذلك فإن علينا أن نثق بأنفسنا، وقبل ذلك بقيادتنا، التي تجاوزت بنا كل صعاب المراحل الماضية، وهي قادرة بعون الله على تجاوز هذه المحنة، فتفاءلوا بالخير تجدوه، واعملوا لتحويله إلى حقيقة ملموسة.