ما أحوجنا إليها
01:30 14-4-2020
آخر تعديل :
الثلاثاء
ما أن تماثل رئيس مجلس الأعيان فيصل الفائز من الوعكة الصحية التي الزمته الفراش، قبل أن تداهمنا جائحة كورونا؛ حتى هب ينخرط في معركة وطنه، لمواجهة هذا العدو الخبيث، بما يستطيع، وأولها الكلمة التي تشد العزم وترفع الروح المعنوية، فكيف إذا كانت هذه الكلمة من رجل يحبه الناس ويثقون به كفيصل الفايز، الذي وظف كلمته لرص الصفوف ولرفع معنوية العاملين عندما أشاد بجهود الحكومة ولم يتصيد لها الأخطاء كما يفعل الساسة عادة، بل إن رئيس مجلس الأمة تجاوز في انتمائه حدود الكلمة على أهميتها إلى مجال الفعل عندما تقدم مع زملائه الأعيان بالتبرع من خلال جيوبهم بمبلغ مئة ألف دينار لدعم وزارة الصحة ثم مثلها لصندوق همة وطن، وقبلهما مئة ألف دينار لصندو ق الخير في وزارة التنمية الاجتماعية بمجموع ثلاثمئة ألف دينار من جيوب الأعيان وكلها أفعال ليست غريبة على (ابن بلد) كفيصل الفائز والتي جاءت لتؤكد جملة من الخواطر والمواقف التي تداعت إلى ذهني، عندما سمعت بالوعكة الصحية التي ألمت به، أولها تواضع الرجل وقدرته على التواصل التي لا يضاهيها إلا قدرته على التحمل، فرغم أن دولته هو الوحيد من بين السياسيين الأردنيين الذي شغل الرئاسات كلها، حيث شغل رئاسة التشريفات الملكية، ورئاسة الديوان الملكي، ورئاسة الوزراء، ورئاسة مجلس النواب، ورئاسة مجلس الأعيان، فإن كل هذه المواقع الرفيعة لم تخرج الرجل من معدنه، ولم تزغ بصره، بل أثبتت أصالة هذا المعدن، الذي لا تحرفه المناصب عن هدف خدمة الناس، لذلك كانت كل المواقع بالنسبة له تكليفاً لا تشريفاً، وفرصا للمزيد من خدمة قائده وشعبه، لذلك لم يبعده أي من هذه المناصب عن الناس، بل زادته قرباً منهم وحباً لهم، فبادله الناس حباً بحب، ولم يحدث أن انفضوا من حوله عندما كان يغادر المنصب الرسمي.
لقد شهدتُ كيف تمكن الرجل من شق طريقه بصعوبة بين جموع الناس الذين جاءوا للترحيب به في مدينة اربد، التي ذهب إليها لإلقاء محاضرة، وقد كان وقتها خارج المناصب الرسمية، مما يدل على أن الناس يحبونه لذاته ولا يرتبطون به لمنصبه، ويحترمونه لسلوكه معهم والذي يتصف بالتواضع والاحترام، على خلاف الكثيرين ممن إذا شغل أحدهم منصباً اقل بكثير من المناصب التي شغلها الفايز، ابتعد عن الناس وبنى بينه وبينهم جدارا وحواجز، من السكرتارية والحجاب، لذلك فمن الطبيعي أن ينفض الناس عنهم خاصة عندما يغادر هؤلاء مواقعهم الرسمية، دون أن يتعلموا الدرس «لودامت لغيرك لما وصلت إليك» وهو الدرس الذي استوعبه فيصل استيعابا كاملاً، فلم يزغ بصره يوماً عندما تولى أعلى المناصب، بل ظل معلقا بالناس حريصا على التواصل معهم وخدمتهم، والوصل إليهم في كل مواقعهم في المدن والقرى والبوادي والأرياف، فصار له فيها كلها أصدقاء ومحبون.
وعلى ذكر الحب والمحبين لابد من التوقف عند صفة راسخة من صفات فيصل الفايز هي شدة حبه وإخلاصه للعرش الهاشمي، وهو حب صادق مجرد من الهوى، أهم علاماته أن مواقف الرجل لا تتغير بتغير مواقعه، كما هي عادة الكثير من السياسيين في هذه المرحلة من تاريخ بلدنا، التي صار فيها بعضهم يقفز إلى مربع المعارضة بمجرد مغادرته لموقعه، ليعود إلى إعلان الولاء عند عودته إلى الموقع الرسمي، وكأن الولاء عنده ولاء وضوء يحتاج إلى تجديد، إما ولاء فيصل الفايز لقيادته ووطنه فعقيدة راسخة، لذلك يظل سلوكه وخطابه ثابتين داخل الموقع الرسمي وخارجه، وهذه من علامات الطهارة السياسية التي يتصف بها فيصل الفايز أمد الله في عمره و متعه بموفور الصحة، لأنه يذكرنا بقيمنا الأصيلة وبمفهوم شيوخنا للزعامة، كما كان يمارسها مثقال الفايز وعبد القادر التل ودليوان المجالي وحسين الطراونة وغيرهم من قامات تاريخنا الوطني التي كانت تكبر بها المناصب،لأن أصحابها كانوا يسخرونها لخدمة قيادتهم وابناء شعبهم، وما أحوجنا إليها في هذه الايام.
Bilal.tall@yahoo.com