كتاب

(وبشر الصابرين).. الملك في الصفوف الأمامية في مواجهة «الكورونا»



تنزلت الآية القرآنية الحكيمة (الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) لتكون نبراساً لأي قائد في الظروف الحرجة من تاريخ الأمم، ولتبين الأولويات التي على القادة أن يسعوا لتأمينها لمواطنيهم، بوصف القائد مستأمناً على شعبه ومكلفاً بالحفاظ عليه ليؤدي وظيفته في عمران الأرض، وتجسدت هذه الحكمة في تحركات جلالة الملك أمس في الزيارة التفقدية للمخزون الاستراتيجي لمستوعبات (صوامع) الحبوب في منطقة الغباوي.

وأصدر الملك توجيهاته في الزيارة لوضع تزويد احتياجات المواطنين من السلع الأساسية كأولوية في جميع الظروف، مؤكداً ضرورة تحقيق مخزون استراتيجي من السلع بما يكفي لأكثر من عام، وأتت الزيارة الملكية لتتفقد الاستعدادات الحكومية خاصة في ظل وجود أزمة قد تمتد لفترة من الزمن.

أتت التوجيهات الملكية لتشدد على فترة كافية من الإمدادات الغذائية للمواطنين، وتتكامل مع الخطط التي وجه إلى وضعها من أجل ايصال هذه السلع للمواطنين مع الحفاظ على الإجراءات الوقائية المتوجب اتخاذها لتطويق فيروس الكورونا، والتأكيد المتواصل على أهمية الموازنة بين توفير احتياجات المواطنين والحفاظ على سلامتهم وصحتهم.

وبعد هذه الزيارة توجه الملك لتفقد الإجراءات العسكرية والأمنية الساعية لتنفيذ قرار حظر التجول الذي اتخذته الحكومة ضمن التوجيه الملكي بإتخاذ ما يلزم من تدابير وبغض النظر عن تكلفتها للحفاظ على حياة المواطنين والحيلولة دون تفشي الفيروس، وبما يجعل حالات الوفاة في حالة وقوعها، لا سمح الله، في الحد الأدنى.

والملك في هذه اللفتة يمثل الأردنيين جميعاً من ناحية ليوصل رسالة حب وتقدير لجنود الوطن في هذه المهمة الصعبة بما يرفع من معنوياتهم، ومن ناحية أخرى، يتواجد بين جنوده بوصفه القائد الأعلى الذي يملك تاريخاً وخبرة في الجندية تجعله يعرف أهمية القيادة من الصفوف الأولى.

وما أن أنهى جلالته الاطمئنان على هاتين الأولويتين حتى خاطب الأردنيين ليبث فيهم الطمأنينة ويقوي عزائمهم ويعزز ثقتهم في الوطن ومؤسساته، مطالباً الأسرة الأردنية الكبيرة أن تتحلى بالمسؤولية وتتجاوب مع التعليمات التي تستهدف سلامتهم مستلهماً درساً نبوياً كريماً آخر وهو يردد بتأن وتشديد على كلمة ومعنى الحديث الشريف: (المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا)، واضعاً الأردنيين مسؤولياتهم ومبيناً طريقهم للخروج من هذه الأزمة التي تداهم البشرية بأسرها بأفضل ما يمكن من نتائج وعبر ودروس.

إذن تحققت الأولويتان اللتان يسعى الملك إلى التيقن الكامل من توافر الشروط المطلوبة لإنجازهما على الوجه الأكمل، فالأردن وكما حدث في مرات كثيرة سيتجاوز الأزمة، وسيخرج أقوى وسيتعلم كثيراً من الدروس، ومن يمكن أن يداني الملك في فهمه لهذه الفلسفة التاريخية الممتدة في تراث عائلي يتواصل لمئات السنين، ويتجذر داخل التراث المحمدي الكريم.

فالرسول -صلى الله عليه وسلم- كان هادياً للبشرية في العقيدة والممارسة، وتمكن من قيادة قومه وأهله في الظروف الصعبة، وكان خير العالمين يتبع الحكمة الإلهية في الابتلاء والصبر كما تمثلت في الآية الكريمة (ولَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)، والملك من هذه الشجرة المطهرة التي تحمل ميراثها الحكمة والصبر وتوقن بأنهما الفضيلتان المقدمتان والمطلوبتان في وقت الشدائد والصعاب.