كتاب

الجامعات والصناعة

منذ بدء الثورة الصناعية الناجمة عن اكتشاف طاقة البخار وتوظيفها في أدوات الصناعة والزراعة والانتاج بدأت عجلة البحث العلمي بالدوران، ومنذ تلك اللحظة تشكلت علاقة البحث العلمي بالصناعة والانتاج، حيث وفرت الصناعة للعلماء والباحثين ميادين ومساحات للبحث وابتكار المعرفة وابداع وسائل الانتاج والتطوير، وفي ذات الوقت وفرت الدعم المالي والفني الذي يحتاجه البحث العلمي، وفي المقابل شكلت المعرفة والأفكار الجديدة التي ابتكرها البحث العلمي عائداً نوعياً على الصناعة والانتاج، الشيء الذي تسبب في زيادة الانتاج كماً ونوعاً وتح?يق نمو الأرباح والعوائد المالية الضخمة، وعلى الصعيد الاجتماعي تحقق الرفاه وتحسنت جودة الحياة.

لذلك عملت الجامعات وهي حاضنة البحث العلمي بما تمتلك من طاقات بشرية، وعقول، وبنى تحتية وتجهيزات كافية للبحث والابتكار على فتح القنوات والجسور بينها وبين الصناعة والمشاريع الانتاجية الكبيرة لكي تسري طاقة الأفكار والابتكار في المسارات السليمة وهي مسارات الإنتاج مما حفزَّ قدرة الجامعات على البحث العلمي المنتج وتطوير مهارات وإمكانات الباحثين وتجويد بيئة البحث والابتكار.

لذلك عملت الدول والحكومات على تحفيز الصناعة والاستثمار في المشاريع الصناعية والتجارية الضخمة لأن ذلك حتماً يؤهلها لكي تكون دولة متقدمة علمياً واقتصادياً ويتأتى ذلك من أنَّ هذه المشاريع الضخمة هي بمثابة الخلية الحية التي تنمو وتنمو معها مقوماتها، وتتكاثر خلاياها، وتتنوع وظائفها، وتشهد طفرات تجديدية، ويصبح المجتمع بجميع مكوناته يحمل صفة هذه الخلية الحية بما يميزها من جينات الذكاء والانتاج والابتكار.

الحالة الماثلة اليوم أمام مرأى العالم أجمع والتي تقدم مثالاً رائداً للسياسة التي تسند التطور والنمو إلى عمق العلاقة بين الصناعة والبحث العلمي والجامعات هي الصين والهند حيث كانت الحصة العالمية لهاتين الدولتين وفقاً لتقرير (اليونسكو للعلوم عام 2030) من المشاريع التجارية التي تخدم البحث والتطوير قد تضاعفت أربع مرات من 5% إلى 20% على حساب الدول الغربية فيما بقيت دول تراوح مكانها على هذا المقياس.

وعليه لا بد للقائمين على بناء خطط التنمية واقتراح استراتيجيات الاقتصاد الوطني هنا في الأردن من التفكير في اتجاه تجسير الفجوة بين الجامعات والصناعة ووضع التشريعات المحفزة على ربط الصناعة بالبحث العلمي والابتكار، والاستفادة من التجارب العالمية في هذا الصدد، وقد قدمت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (UNESCO) سابقاً برنامجاً للتشارك بين الجامعة والصناعة والعلوم من أجل الارتقاء بالجامعات في البلدان النامية وتشجيعها على زيادة مشاركتها في عملية التصنيع في بلدانها، ويركز البرنامج على بناء القدرات وتقديم?المعونة التقنية فيما يتعلق بإدارة مجمعات العلوم والتكنولوجيا بهدف توثيق العلاقة بين الجامعة والصناعة بما فيها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز الابتكار وتعليم العلوم والهندسة وتطوير التكنولوجيا، إلى جانب تنمية الموارد البشرية بما في ذلك تدريب المهندسين والفنيين، ولهذا الغرض تتعاون اليونسكو مع المنظمات المهنية الدولية العاملة في هذا الميدان ومنها الرابطة العالمية للمدن العلمية (WTA) والرابطة الدولية لمجمعات العلوم والتكنولوجيا (IASP).

هناك عبارة للدكتور سمير عميش يقول فيها » الجامعات بيت علم ومختبر معرفة، والصناعة بيت خبرة عملية تطبيقية وبتزاوج العلم والمعرفة بالخبرة تتحقق المعجزة التنموية».

Rsaaie.mohmed@gmail.com